منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:27
الدولة الأموية

تنسب
الدولة الأموية إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان سيداً من سادات قريش
في الجاهلية.. وكان بنو أمية من المتأخرين في دخول الإسلام إذ أسلم أبو
سفيان بن حرب عند فتح مكةولكن بعد إسلامهم أبلوا في خدمة الإسلام بلاءً
حسناً وكان لهم دور كبير في عدد من الأحداث الجسام أذكر منها دورهم البطولى
في حروب الردة، كما ساهم بنو أمية في نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية.
وقد كانت نشأة الدولة الأموية قصة تاريخية مشهورة إذ كان التمهيد لبدايتها
فتنة شديدة قامت بين رابع الخلفاء الراشدين سيدنا على بن أبى طالب رضى الله
عنه ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما حين رفض معاوية مبايعة على بن
أبى طالب إلا بعد تسليم قتلة عثمان بن عفان رضى الله عنه . أى ان الخلاف لم
يكن على من يستحق الخلافة ولكن كان على من يكون اولاً ؟ البيعة أم تسليم
قتلة عثمان؟

وأسفرت
هذه الفتنة عن معارك عنيفة بين الجانبين استمرت حتى يوم 17 رمضان سنة 40
هجرية حتى اتفق الطرفان على التحكيم واتفقوا على أن يكون الحكم لكبار
الصحابة فى هذه المشكلة وعندها خرج الخوارج وكفروا الفئتين وذهب منهم ثلاثة
نفر كل واحد موجه لقتل واحد من كبار الصحابة ، فمنهم من توجه لقتل معاوية
بن أبى سفيان ومنمه من توجه لقتل عمرو بن العاص ونجح الأخير فى قتل الخليفة
الراشد سيدنا على بن أبى طالب .. وكان من الممكن أن تستمر هذه المحنة
طويلاً لولا أن الحسن بن على الذى بويع بالخلافة بعد أبيه رضى الله عنهما
تنازل عنها لمعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما وبذلك تحقق فيه قول النبى
صلى الله عليه وسلم " ان ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين "
أو كما قال صلى الله عليه وسلم ،حقناً لدماء المسلمين وتوحيداً لكلمتهم ..
وقد كان ذلك في عام 41 هـ الذى سمى بعام الجماعة.. وهو يعد البدء الحقيقى
للدولة الأموية التى بدأت بالتحديد حين أخذت البيعة لمعاوية بن أبى سفيان
بالكوفة يوم 25 ربيع الأول عام 41 هجرياً واستمر معاوية في الحكم فترة تزيد
على العشرين سنه ثم ورث الخلافة من بعده إلى ابنه يزيد مما احدث فتنه اخرى
حيث امتنع عن المبايعة عدد من اكابر المجتمع وقتها منهم الحسين بن على رضي
الله عنهما ووقعت في عهده حوادث وفتن جسيمة استمر أثرها إلى الوقت الحاضر
ومن بعد وفاة يزيد حدثت قلقلة في البيت الأموي بعد مبايعة معاوية بن يزيد
وخرجت الخلافة في بقية الأقاليم من يد الأموين إلى عبدالله بن الزبير حيث
يعتبره معظم المؤرخين خليفة المسلمين في تلك الفترة إلى ان عادت الخلافة
إلى الأموين عن طريق مروان بن الحكم بن العاص وبقيت الخلافه في نسلة إلى ان
سقطت على يد بني العباس عام 132هـ وكان آخر خلفائها مروان وكان من أشهر
الخلفاء عمر بن عبدالعزيز الذين يعتبر في التاريخ الاسلامي خامس الخلفاء
الراشدين لعدلة وسيره على نهج الخلفاء الراشدين ومنهم عبدالملك بن مراون
أبو الجبابرة الاربع وكان للدولة الأمويه الفضل بعد الله في انتشار رقعة
الاسلام والجهاد .

________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty رد: التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:28
دولة الخلافة الأموية
بعد مقتل على -رضى الله عنه- سنة 40هـ تهيأت الظروف للأمويين لكى يبسطوا سلطانهم على الدولة الإسلامية.
حقّا إنهم ذَوُو حسب ونسب، فهم سلالة "أمية بن عبد شمس" أحد سادات قريش وزعمائها قبل الإسلام.
وقد
كان سفيان بن حرب والد معاوية أحد أبناء هذا البيت الأموى ومن أكبر سادات
قريش، وإليه كانت قيادة قوافل التجارة، وإدارة شئون الحرب، ولم يسلم إلا
عند فتح مكة، وروى عن معاوية أنه أسلم يوم عمرة القضاء وكتم إسلامه حتى
فَتْح مكة، وقد لقى أبوسفيان من الرسول ( معاملة كريمة حيث أعلن عند فتح
مكة أن "من دخل دار أبى سفيان فهو آمن". واستخدم الرسول ( معاوية كاتبًا
له، واستعان الخلفاء الراشدون بأبناء البيت الأموى، فكان يزيد بن أبى سفيان
أحد قادة الجيوش الأربعة التى بعث بها أبو بكر -رضى الله عنه- لفتح الشام
سنة 11هـ/633م.
وقد حارب يزيد وتحت إمرته أخوه معاوية فى عهد الخليفة
عمر فلما توفى يزيد سنة 18هـ/ 639م، استعمل الخليفة "عمر" معاوية بن أبى
سفيان على دمشق وعلى خراجها، ثم جمع له الشام كلها.
عام الجماعة:
ولقد
مهدت الأقدار لمعاوية بن أبى سفيان فى أن يخطو خطوات ثابتة لكى يتولى منصب
الخلافة، وبايعه الحسن بن على -رضى الله عنه- الذى كان قد خلف أباه وصار
معه ما يقرب من اثنين وأربعين ألفًا من الجند، لكنه لم يطمئن إلى ولاء العاملين معه.
كان
ذلك عام 41هـ/662م، وهو عام الجماعة الأول، لأن معاوية نال فيه البيعة
بالخلافة من جميع الأمصار الإسلامية، ويعتبر هذا العام الميلاد الرسمى
لقيام الدولة الأموية.
ولقد
روى عن الحسن البصرى أنه قال: استقبل- والله- الحسنُ بن على معاويةَ بن
أبى سفيان بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنى لأرى كتائب لا
تتولى حتى يقتل أقرانها. فقال معاوية وكان والله خير الرجلين إن قتل هؤلاء
هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لى بأمور المسلمين، من لى بضعيفهم؟ من لى بنسائهم؟
وبعث معاوية إلى الحسن يطلب المصالحة وحقن دماء المسلمين، وكان الحسن مهيأ لهذا الأمر النبيل، فما أعز دماء المسلمين عنده.
وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية على أن تعود الخلافة بعده شورى بين المسلمين.
ولما
قدم الحسن الكوفة قابله سيل من التعنيف واللوم لتنازله عن الخلافة، لكنه
كان بارًا راشدّا لا يجد فى صدره من هذا الأمر حرجًا أو ندمًا، قال له رجل
اسمه عامر: السلام عليك يا مذل المؤمنين. قال: لا تقل هذا يا عامر، لست
بمذل المؤمنين، ولكنى كرهت أن أقتلهم على الملْك.
وتحققت نبوءة النبى (
فى الحسن يوم قال: "إن ابنى هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من
المسلمين". [أحمد والبخارى وأبو داود، والترمذى والنسائى].

________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty رد: التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:30
نظرات في العصر الأموي (1 )
كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق *




الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين ، وبعد ..
فإن العصر الأموي يطلق على الفترة التي حكم فيها بنو أمية العالم الإسلامي ، والتي بدأت بتنازل الحسن لمعاوية ـ رضي الله عنهما ـ عن الخلافة ، وانتهت بمقتل مروان بن محمد أمام جند العباسيين بمصر (بالقرب من كنيسة بقرية بوصير 13 من ذي الحجة 132هـ = 23 من يوليو 750م .
وكانت حدود الدولة الإسلامية حين بدأت تلك الدولة تمتد شرقا إلى مرو ، وشمالا إلى الثغور السورية، ومصر وتونس في الغرب، ثم اتسعت إلىجورجيا من ناحية الشمال ، ومن الشرق حتى الأراضي الصينية ، وجنوباً غطت شبه الجزيرة العربية ، وتوسعتغرباً حتى أسبانيا والبرتغال .
وقدر الجغرافيون مساحتها بـ7460000سبعة ملايين وأربع مائة وستين ألف ميل مربع ، وهي أكبر دولة إسلامية عرفهاالتاريخ على الإطلاق..
وبداية نقول : إن المنافقين المعروفين بالسبئية دبروا للقضاء على الخلافة الإسلامية الراشدة بمقتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ وأن مقتله قد أدى إلى حدوث فتنة بين المسلمين انتهت بموقعة الجمل ثم صفين
، وأن الصحابة تداركوا أنفسهم يوم صفين بعد أن راح عشرات آلاف من الأرواح
الطاهرة منهم ، وأوكل علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ إلى فريق التحكيم
مهمة التباحث في الخروج من تلك الأزمة ، ولكن الأشقياء الذين سموا فيما بعد
باسم الخوارج لم يرق لهم أن يحل الصفاء على المسلمين ، فخرجوا على عليّ ـ رضي الله عنه ـ وخاض معهم معارك طاحنة انتهت بإضعاف قوته ، وانتهى صراعه معهم بمقتله على أيدي ابن ملجم الخبيث ـ لعنه الله ـ ..
فاجتمع أهل العراق بعد استشهاده على ابنه الحسن ـ رضي الله عنهما ـ لكنهم سرعان ما تآمروا عليه كما تآمروا على أبيه من قبل ، فاضطر إلى أن يراسل معاوية ، ويعرض عليه أن يتنازل له عن الخلافة ؛ حتى يجتمع شمل المسلمين ، وتحقن دماء جنودهم ..
وبذلك التنازل عادت وحدة المسلمين التي كان يحرص المنافقون على القضاء عليها ، وتم ذلك في ربيع الأول سنة 41 هـ ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بذلك فقال عن الحسن رضي الله عنه : " أيها الناس إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " رواه البخاري.
وتفاؤلا بهذا الفعل الحميد سمي العام (41 هـ ) بعام الجماعة ، وبدأ بذلك العصر الأموي الذي نحن بصدد الحديث عنه ..
هذا العصر الذي كان لا يختلف كثيرا عن العصر السابق ( الراشدي ) رغم أن الحكم الإسلامي قد تحول فيه من حكم قائم على الانتخاب والشورى إلى حكم قائم على النظام
الوراثي ؛ لأن الخلفاء الأمويين التزموا فيه بواجبهم تجاه الإسلام
والمسلمين وسائر شعوبهم ، وظلت حركة التوسع الإسلامي قائمة ، وتصدوا بكل
حزم لكل من يسعى لنشر المعتقدات الضالة بين المسلمين .
فكان معاوية ـ رضي الله عنه ـ يحرص قدر إمكانه على السير على نهج الخلفاء السابقين ، وقد دخل عليه يوما أبو مريم الأزدي فقال له : حديث سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره " فلما سمعه منه جعل رجلا على حوائج الناس .(1).
وكان
يأبى أن يظهر بين الناس بأنه مميز عنهم ، فقد خرج عليهم ذات يوم فقاموا
تعظيما له ، فقال لهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب
أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " (2).
وكان
المسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو كما قال ابن كثير (3) وكان يقول :
يا بني أمية فارقوا قريشا بالحلم، فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية
فيوسعني شتما وأوسعه حلما، فأرجع وهو لي صديق، إن استنجدته أنجدني، وأثور
به فيثور معي، وما وضع الحلم عن شريف شرفه، ولا زاده إلا كرما وقال: آفة
الحلم الذل ، وقال: لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره
شهوته، ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم(4).
وكان ينهى أمراءه عن تتبع الناس والتصنت عليهم وأخذهم بالشبهات ويذكرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم ". (5). واستعمل زياداً على البصرة وخراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان، وأوصاه أن يشتد على العصاة ، فقدم البصرة في آخر شهر ربيع الآخر - أو غرة جمادى الأولى - سنة خمس، والفسق بالبصرة ظاهر فاشٍ، فخطب فيهم فقال: الحمد لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نعمه، اللهم كما رزقتنا نعماً، فألهمنا شكراً على نعمتك علينا.
أما
بعد، فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والفجر الموقد لأهله النار،
الباقي عليهم سعيرها، ما يأتي سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور
العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير، كأن لم تسمعوا بآي
الله، ولم تقرءوا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل
طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمد الذي لا يزول.
أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية،
ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا به؛ من ترككم هذه
المواخير المنصوبة، والضعيفة المسلوبة، في النهر المبصر، والعدد غير قليل!
ألم تكن منكم نهاةٌ تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار! قربتم
القرابة، وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغطون على المختلس، كل امرئ منكم يذب عن سفيهه، صنيع من لا يخاف عقاباً، ولا يرجو معاداً.
ما
أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السفهاء، ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم
دونهم، حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم كنوساً في مكانس الريب ،
حرام عليّ الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدماً وإحراقاً.
إني
رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لينٌ في غير ضعف، وشدة
في غير جبرية وعنف، وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن،
والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول:
انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم.
إن
كذبة المنبر تبقى مشهورة، فإذا تعلقتم عليّ بكذبة فقد حلت لكم معصيتي،
وإذا سمعتموها مني فاغتمزوها في ، واعلموا أن عندي أمثالها من بيت منكم ،
فأنا ضامنٌ لما ذهب له، إياي ودلج الليل، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه،
وقد أجلتكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إلي ، وإياي ودعوى
الجاهلية، فإني لا أجد أحداً ادعى بها إلا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثاً
لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قوماً غرقته، ومن حرق على قوم
حرقناه، ومن نقب بيتاً نقبت عن قلبه، ومن نبش قبراً دفنته فيه حياً؛ فكفوا
عني أيديكم وألسنتكم أكفف يدي وأذاي، لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه
عامتكم إلا ضربت عنقه.
وقد
كانت بيني وبين أقوام إحن، فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان منكم
محسناً فليزدد إحساناً، ومن كان مسيئاً فلينزع عن إساءته، إني لو علمت أن
أحدكم قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعاً، ولم أهتك له ستراً، حتى
يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره؛ فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فرب مبتئسٍ بقدومنا سيسر، ومسرورٍ بقدومنا سيبتئس.
أيها
الناس، إنا أصبحنا لكم ساسةً، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي
أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما
أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم ،
واعلموا أني مهما قصرت عنه فإني لا أقصر عن ثلاث: لست محتجباً عن طالب حاجة
منكم ولو أتاني طارقاً بليل؛ ولا حابساً رزقاً ولا عطاءً عن صاحبه ، ولا
مجمراً لكم بعثاً.
فادعوا
الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذي إليه
تأوون، ومتى تصلحوا يصلحوا ، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم،
ويطول له حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع إنه لو استجيب لكم كان شراً لكم.
(6).
فخافه
الناس في سلطانه خوفاً شديداً، وأمن بعضهم بعضاً، حتى كان الشيء يسقط من
الرجل أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه، وتبيت المرأة فلا
تغلق عليها بابها، وساس الناس سياسةً لم ير مثلها، وهابه الناس هيبةً لم
يهابوها أحداً قبله، وأدر العطاء، وبنى مدينة الرزق.
(7).
واستعمل معاوية أيضا عبيد الله بن زياد على خراسان
وقال له: إني قد عهدت إليك مثل عهدي إلى عمالي، ثم أوصيك وصية القرابة
لخاصتك عندي، لا تبيعن كثيراً بقليل، وخذ لنفسك من نفسك، واكتف فيما بينك
وبين عدوك بالوفاء تخف عليك المئونة وعلينا منك، وافتح بابك للناس تكن في
العلم منهم أنت وهم سواء، وإذا عزمت على أمر فأخرجه إلى الناس، ولا يكن لأحد فيه مطمع، ولا يرجعن عليك وأنت تستطيع، وإذا لقيت عدوك فغلبوك على ظهر الأرض فلا يغلبوك على بطنها، وإن احتاج أصحابك إلى أن تؤاسيهم بنفسك فآسهم.
اتق الله ولا تؤثرن على تقوى
الله شيئاً، فإن في تقواه عوضاً، وق عرضك من أن تدنسه، وإذا أعطيت عهداً
فف به، ولا تبيعن كثيراً بقليل، ولا تخرجن منك أمراً حتى تبرمه، فإذا خرج
فلا يردن عليك، وإذا لقيت عدوك فكن أكثر من معك، وقاسمهم على كتاب الله، ولا تطمعن أحداً في غير حقه، ولا تؤسن أحداً من حق له، ثم ودعه
(Cool
.
وولى على الحجاز سعيد بن العاص فأحسن فيهم السيرة ، وكان بهم كريما ؛
حتى روي أنه استسقى يوما في بعض طرق المدينة، فأخرج له رجل من دار ماء
فشرب، ثم بعد حين رأى ذلك يعرض داره للبيع فسأل عنه لم يبيع داره ؟ فقالوا:
عليه دين أربعة آلاف دينار، فبعث إلى غريمه فقال: هي لك علي، وأرسل إلى
صاحب الدار فقال: استمتع بدارك
(9)
.
وكان
رجل من القراء الذين يجالسونه قد افتقر وأصابته فاقة شديدة، فقالت له
امرأته: إن أميرنا هذا يوصف بكرم، فلو ذكرت له حالك فلعله يسمح لك بشيء ؟
فقال: ويحك ! لا تحلقي وجهي، فألحت عليه في ذلك، فجاء فجلس إليه، فلما
انصرف الناس عنه مكث الرجل جالسا في مكانه، فقال له سعيد: أظن جلوسك لحاجة ؟
فسكت الرجل، فقال سعيد لغلمانه: انصرفوا، ثم قال له سعيد: لم يبق غيرك
وغيرك، فسكت، فأطفأ المصباح ثم قال له: رحمك الله لست ترى وجهي فاذكر
حاجتك، فقال: أصلح الله الأمير أصابتنا فاقة وحاجة فأحببت ذكرها لك
فاستحييت، فقال له: إذا أصبحت فالق وكيلي فلانا، فلما أصبح الرجل لقي
الوكيل فقال له الوكيل: إن الأمير قد أمر لك بشيء فأت بمن يحمله معك، فقال:
ما عندي من يحمله، ثم انصرف الرجل إلى امرأته فلامها وقال: حملتيني على بذل
وجهي للأمير، فقد أمر لي بشيء يحتاج إلى من يحمله، وما أراه أمر لي إلا
بدقيق أو طعام، ولو كان مالا لما احتاج إلى من يحمله، ولأعطانيه ،فقالت
المرأة: فمهما أعطاك فإنه يقوتنا فخذه، فرجع الرجل إلى الوكيل فقال له
الوكيل: إني أخبرت الأمير أنه ليس لك أحد يحمله، وقد أرسل بهؤلاء الثلاثة
السودان يحملونه معك، فذهب الرجل، فلما وصل إلى منزله إذا على رأس
كل واحد منهم عشرة آلاف دراهم ، فقال للغلمان: ضعوا ما معكم وانصرفوا،
فقالوا: إن الأمير قد أطلقنا لك، فإنه ما بعث مع خادم هدية إلى أحد إلا كان
الخادم الذي يحملها من جملتها.
(10)
.
وكان
سعيد هذا يقول لابنه : يا بني! أخزى الله المعروف إذا لم يكن ابتداءً عن
غير مسألة، فأما إذا أتاك تكاد ترى دمه في وجهه، ومخاطراً لا يدري أتعطيه
أم تمنعه، فوالله لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته.
(11)
.
وخطب يوما فقال: من رزقه الله رزقا حسنا فليكن أسعد الناس به، إنما يتركه لأحد رجلين، إما مصلح فيسعد بما جمعت له وتخيب أنت .. (12)
وكان أمراء معاوية حريصون على أن يستمعوا لنصح الصالحين ، قال الحسن البصري: دخل عبيد الله بن زياد على معقل بن يسار يعوده في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو لم أكن على حالتي
هذه لم أحدثك به، سمعته يقول: " من استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة لم
يجد رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام "(
13)
.
وكانت
الفتوح الإسلامية في عهده قائمة، وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين، مرة في
الصيف ومرة في الشتاء ، وقد اعتاد غزوهم منذ أن كان أميرا في خلافة عمر
رضي الله عنه ، ولم تتوقف إلا في أوقات الخلاف بينه وبين علي ـ رضي الله
عنهما ـ أي قبل أن يلي الخلافة ،
وفي هذه الفترة حاول ملك الروم أن يستغل هذا الصراع وجهز جيوشه لغزو
الشام ، فكتب معاوية إليه: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين
لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما
رحبت ، فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة (14) .
وقد
بعث سنة تسع وأربعين يزيد ابنه غازيا فزحف حتى بلغ القسطنطينية ، ومعه
جماعات من سادات الصحابة ، منهم ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب
الأنصاري ـ رضي الله عنهم ـ
خرج كل
هؤلاء طمعا في الظفر بالفضل الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قوله : " أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم " صحيح البخاري . (15).
وأرسل
في سنة 50 عقبة بن نافع الفهري ففتح بلاد إفريقية، واختط القيروان - وكانت
غيضة تأوي إليها السباع والوحوش والحيات العظام، فدعا الله تعالى فلم يبق
فيها شيء من ذلك ، حتى إن السباع صارت تخرج منها تحمل أولادها، والحيات
يخرجن من أجحارهن هوارب ، فأسلم خلق كثير من البربر لما رءوا ذلك (
16)
.
وأرسل
سنة ثلاث وخمسين جنادة بن أبي أمية الأزدي ففتح جزيرة ردوس في البحر
المتوسط ، فنزلها المسلمون وزرعوا أرضها ، واتخذوا بها أموالاً ومواشي
يرعونها حولها، واتخذوا لهم ناطورٌ يحذرهم ما في البحر ممن يريدهم بكيد،
وكان معاوية يدر لهم الأرزاق والعطاء ، وصار هؤلاء فيما بعد من أشد الناس على الروم، وكان يعترضونهم في البحر فيقطعون الطريق على سفنهم(
17)
.
وأمر عبيد الله بن زياد بعد أن ولاه خراسان بغزو الترك ، فكان هو أول من قطع إليهم جبال بخارى ، ففتح كثيرا بلاد سمرقند وبخارى .
وهكذا مضى أيام خلافته بين العدل بين الرعية وبين الجهاد والغزو في سبيل الله ، وقد سئل في أول خلافته عمن يستحق منصب الخلافة بعده فقال :
يكون بين جماعة، إما كريم قريش سعيد بن العاص، وإما فتى قريش حياء ودهاء
وسخاء عبد الله بن عامر، وإما الحسن بن علي رجل سيد كريم، وإما القارئ
لكتاب الله الفقيه في دين الله الشديد في حدود الله مروان بن الحكم، وإما
الرجل الفقيه عبد الله بن عمر، وإما عبد الله بن الزبير.
لكنه على ما
يبدو ـ وبعد وفاة الحسن ـ رأى أن الظروف غير مهيأة لأن يختار المسلمون
بأنفسهم رجلا مناسبا بعد تغلغل الفكري الشيعي والخوارجي في قلوب كثير من
الناس ، وبعد أن غلبت العصبية ، فاجتهد في أن يوصي ليزيد ابنه من بعده ،
ويؤيد ذلك أنه قال لعبد الله بن عمر: إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم
المطيرة ليس لها راع (
18)
.. فقال له عبد الله : إذا بايعه الناس كلهم بايعته ، ولو كان عبدا مجدع الأطراف...
ووافق أكثر الصحابة وأبناؤهم معاوية على رأيه وبايعوا له على إمرة
يزيد بعده ، فقال له معاوية : ماذا أنت فاعل إن وليت ؟ قال: كنت والله
عاملا فيهم عمل عمر بن الخطاب ، فقال معاوية: سبحان الله يا بني والله لقد
جهدت على سيرة عثمان بن عفان فما أطقتها ، فكيف بك وسيرة عمر ؟.
فلما
حضره الموت - وذلك في سنة ستين - وكان يزيد غائباً، دعا بالضحاك بن قيس
الفهري - وكان صاحب شرطته - ومسلم بن عقبة المري، فأوصى إليهما

فقال: بلغا يزيد وصيتي، انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك
منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم
عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر
أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم، فإذا
أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا
بغير أخلاقهم،
...
ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقال: لمن حضره من أهله: اتقوا الله عز وجل، فإن
الله سبحانه يقي من اتقاه، ولا واقي لمن لا يتقي الله؛ ثم قضى(19).
وإلى لقاء مع الحلقة القادة إن شاء الله إن كان في العمر بقية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
*مدير موقع التاريخ الالكتروني
1 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 134) والحديث رواه أبو داود في سننه .
2 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 135) والحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير .
3 ـ انظر : البداية والنهاية - (ج 8 / ص 145)..
4 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 134)..
5 ـ صحيح ابن حبان - (24 / 49)
6 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 181)..
7 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 182)..
8 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 208)..
البداية والنهاية - (ج 8 / ص 92).
10 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 92وما بعدها )..
11 ـ مختصر تاريخ دمشق - (ج 3 / ص 306).
12 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 94)..
13 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 111) والحديث في مسند عبد الله بن المبارك .
14 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 127)..
15 ـالبداية والنهاية - (ج 8 / ص 36) وما بعدها ..
16 تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 180)..
17 تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 187)..
18البداية والنهاية - (ج 8 / ص 87)
19 تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 223).

________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty رد: التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:31
نظرات في العصر الأموي (2 )
كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق *
ا

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين ، وبعد ..
فقد تطرق بنا الحديث ـ أيها القراء الكرماء والكريمات ـ في الحلقة السابقة عن الظروف التي نشأت فيها الدولة الأموية ، ورأينا كيف استطاع معاوية ـ رضي الله عنه ـ أن يحافظ على وحدة المسلمين ، وأنه بذل ما في وسعه
ليبقي للدولة الإسلامية كيانها ، وأنه اضطر تحت ضغط المتغيرات التي أصابت
العالم الإسلامي وغلبة العصبية إلى أن يعهد لابنه يزيد بالخلافة من بعده ،
وأنه أوصاه قبيل موته قائلا : انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم
عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم كل
يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف،
وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم،
فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم
أخذوا بغير أخلاقهم، ... ثم أغمي عليه ثم أفاق، فقال: لمن حضره من أهله:
اتقوا الله عز وجل، فإن الله سبحانه يقي من اتقاه، ولا واقي لمن لا يتقي
الله؛ (1) ..

وصعدت
روحه إلى السماء بعد أن ترك ليزيد تركة ما أثقلها ، إذ ما إن ولي الخلافة
حتى ظهرت بوادر الاعتراض على إماراته ، فقد أرسل إلى المدينة ليأخذ البيعة
من أهلها ، فبايعه أهلها إلا عبد الله بن الزبير والحسين ، حيث أبيا وخرجا
من ليلتهما إلى مكة، وفي الطريق
لقيهما ابن عباس وابن عمر ـ رضي الله عنهم جميعا ـ فسألاهما، ما وراءكما؟
قالا: موت معاوية والبيعة ليزيد (2)؛ وأحس ابن عمر أنهما خرجا من المدينة
فرارا من مبايعته فقال لهما : اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين (3) .
لكنهما لم يستمعا لنصحه ، وذهبا إلى مكة ليحتميا بالحرم من الطلب.

وفي مكة أعلن الحسين وعبد الله بن الزبير امتناعهما عن البيعة فترفق بهما والي مكة عمرو بن سعيد ، ولان في معاملتهما ، ولم يشتد عليهما في طلب البيعة ، ومكثا فترة على تلك الحالة حتى كتب أهل الكوفة إلى الحسين ، يصفون الأمراء بغير ما فيهم ، ويدعون الحسين للخروج إليهم لتغيير هذا المنكر ، وجاء في أحد
كتبهم : بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب
بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من
أهل الكوفة. سلامٌ عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد،
فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة (
يقصدون معاوية رضي الله عنه ) فابتزها أمرها، وغصبها فيئها،
وتأمر عليها بغير رضاً منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال
الله دولةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود! إنه ليس
علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله؛ والسلام ورحمة الله عليك (4) .

وكانت تلك الرسالة بمثابة الشرارة التي أشعلت النار في جسد الأمة الإسلامية ، ولا أكون مبالغا إذ قلت : إن أثر نيرانها ما زال مشتعلا في فتنة السنة والشيعة كلما خبا وجد من ينفخ فيه ليزداد اشتعالا ..
وحركت تلك الرسالة ثائرة الحسين رضي الله عنه ؛ إذ كيف يرى ظلما كالذي وصف في تلك
الرسالة ولا يهب لتغييره ، ولم يعطه شيعة العراق فرصة لتبين الأمر ، وإنما
انهالت عليه رسائلهم ، رسالة تلو رسالة ، حتى كتبوا إليه مغرين أو قل :
مغررين : أما بعد فقد اخضرت الجنان ، وأينعت الثمار ، ولطمت الجمام ، فإذا
شئت فأقدم على جند لك مجندة ، والسلام عليك (5) .

وأؤكد هنا أن الحسين لم يثر طمعا في الخلافة
، ولا إيمانا منه بأنها حكرا على آل البيت كما يردد جهلة المتشيعة ، وإنما
الرجل رحمه الله ورضي عنه كان شديد الغيرة لدين الله عز وجل ، فلم يصبر
على ما سمع من أخبار تذكر أن حرمات الدين تنتهك ، وفي نفس
الوقت لم يتريث حتى يتأكد من مصدر تلك الكتب التي كانت تأتي إليه بذلك ،
بل لم يعط لنفسه الفرصة أو قل : لم يعطوه الفرصة ليستمع لنصح من نصحه حتى
من أقرب المقربين له ..

وعزم
بالفعل على المطالبة لنفسه بالخلافة فبعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي
طالب إلى الكوفة ؛ ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فتسامع أهل الكوفة
بقدومه ( مسلم بن عقيل ) فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له
لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا، ثم
تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا، وعندها كتب مسلم إلى الحسين ليقدم
عليها ، وأخبره بأنه قد مهد له البيعة والأمور.

وكان
أميرا على الكوفة وقتها النعمان بن بشير الصحابي الجليل ، وهو رجل معروف
بالتقوى والورع ، ولذلك لم يتعرض لأحد ممن اجتمع على مسلم بسوء ، ولكنه لما
علم أنهم يريدون نقض البيعة ليزيد خطب فيهم
ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسنة، وقال: إني لا أقاتل
من لا يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، ولا آخذكم بالظنة، ولكن والله
الذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته (6).

والنعمان
ما قال هذا الكلام إلا لعلمه أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ما دام لا
يبدر منه ما يخالف شرع الله ، وهو واحد من الأمراء شاهد على عدل يزيد ومن
قبله معاوية ..

وحاول
واحد من جلسائه وهو (عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ) أن ينصحه بالشدة
مع من ينوون الفتنة ، وقال له : إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشمة (الشدة )
وإن الذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين ، فقال له النعمان: لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأقوياء الأعزين في معصية الله (7).

ووصل
خبر مسلم بن عقيل إلى يزيد فاضطر إلى أن يعزل النعمان بن بشير عن الكوفة
ويعين عليهم رجلا أشد قسوة ، وكان هذا أول شؤم حل عليهم نتيجة خلعهم لطاعة
أميرهم ، وحرمت الكوفة إلى الأبد من أمير في ورع وتقوى النعمان رضي الله عنه.

ودخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة وهي في ظروف غير طبيعية ، ولذلك كان لابد أن تكون ولايته متأثرة بتلك الظروف ، وكان عليه أن ينحي اللين الذي كان سببا في عزل
النعمان جانبا ، ويأخذ أهلها بالشدة لتستقر له الأمور ، فصعد إلى قصر
الإمارة وأمر مناديا فنادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس خرج إليهم فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين قد ولاني أمركم وثغركم
وفيأكم، وأمرني بأنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على مريبكم وعاصيكم، وإنما أنا ممتثل فيكم أمره ومنفذ عهده.(Cool .

وكانت
المفاجأة أن من التفوا حول مسلم بن عقيل بمجرد أن رءوا الجد من عبيد الله
بن زياد تسللوا عنه حتى بقي وحيدا ، بل أرشدوا إلى البيت الذي اختبأ فيه ليلقى حتفه ..

وكان الخطأ الذي وقع فيه
مسلم أنه لم يتأن قليلا حتى يعايش هؤلاء ويعرف مدى صلابتهم واستعدادهم
للثبات معه وقت الشدة ، وإنما أسرع بالكتابة إلى الحسين تحت ضغط من زعماء
المتشيعة ليدعوه للمجيء إلى الكوفة ، وعجل الحسين هو الآخر المسير بمجرد أن
جاءته رسالة مسلم التي تصف اجتماعهم عليه ، ولو تمهل مسلم قليلا حتى جاء
عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ورأى انصراف الناس عنه ما خرج الحسين من مكة
ولا حدث شيء من مأساة مقتله ، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا ..

وقد
حاول بعض أقارب الحسين إثنائه عن الرحيل إلى الكوفة ، وحذروه من إغواء
شيعة الكوفة ، وذكروه بما فعلوه بأبيه ثم أخيه الحسن من قبل ، ومن هؤلاء
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي كتب إليه يقول: أما بعد، فإني أسألك
بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفقٌ عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين؛ ورجاء المؤمنين؛ فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب؛ والسلام.

ثم ذهب عبد الله من فوره إلى عمرو بن سعيد بن العاص والي الحجاز فكلمه، وقال: اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنيه فيه البر والصلة، وتوثق له في كتابك، وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع؛
فقال عمرو ابن سعيد: اكتب ما شئت وأتني به حتى أختمه، فكتب عبد الله بن
جعفر الكتاب، بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي،
أما بعد، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك، وأن يهديك لما يرشدك؛ بلغني
أنك قد توجهت إلى العراق، وإني أعيذك بالله من الشقاق، فإني أخاف عليك فيه
الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبل إلي معهما،
فإن لك عندي الأمان والصلة والبر وحسن الجوار لك، الله علي بذلك شهيدٌ وكفيلٌ، ومراعٍ ووكيلٌ؛ والسلام عليك (9).

ثم
أتى به عمرو بن سعيد فقال له: اختمه، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد، فإنه
أحرى أن تطمئن نفسه إليه، ويعلم أنه الجد منك، ففعل؛ فلحقه يحيى وعبد الله
بن جعفر، ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب، فقالا: اقرأناه الكتاب،
وجهدناه، وكان مما اعتذر به إلينا أن قال: إني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، علي كان أو لي؛ فقالا له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدثت أحداً بها، وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي.

ووصل على مقربة من الكوفة في "كربلاء
" وهناك انفض عنه عامة من خرج معه إلا بقية من أهل بيته ، ويبدو أن هذا
الفعل جعله يعزم على الانصراف راجعا ، وخاصة بعد أن ترجاه كثير من الناصحين
ومن قادة الجيش الذي بعثه إليه ابن زياد ، وكان كل واحد منهم يتمنى ألا
يبتلى بدمه ، لكن آل عقيل بن أبي طالب لما علموا بمقتل مسلم أصروا على
الثأر لمقتل مسلم ، فدخل في مواجهة غير متكافئة انتهت بمقتله وكثير من آل بيته..

ومثل
مقتله فاجعة كبيرة للمسلمين بقي أثرها إلى الآن ، وأكبر من تلك الفاجعة أن
مقتله كسر حاجز الهيبة الذي كان لدى المسلمين من مس آل بيت رسول الله بسوء
، وصارت دماؤهم الزكية مستباحة فيما بعد لا يحس الناس بحرمتها .

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد ، وإنما أدى مقتله إلى وقوع الشحناء بين الأسرة الأموية الحاكمة وبين عامة الشعب ، إذ لم يغفروا لها ولوغها في دم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملوها وحدها وزر مقتله .
فانتفضت
المدينة غضبا للمأساة التي حلت به ، وثار عبد الله بن الزبير بمكة ، وحلت
النكبات على يزيد بالشام ، فبعث إلى أهل المدينة النعمان بن بشير ينهاهم
عما صنعوا ، ويحذرهم غب ذلك ، ويأمرهم بالرجوع إلى السمع والطاعة ولزوم
الجماعة، فسار إليهم وفعل ما أمره يزيد ، وخوفهم الفتنة وقال لهم: إن
الفتنة وخيمة، وقال: لا طاقة لكم بأهل الشام، فقال له عبد الله بن مطيع: ما
يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا ؟ (10)

وأغضبت
مقولة عبد الله بن مطيع النعمان ، فهو لم يبغ إلا وحدة جماعتهم وإصلاح
أمرهم ، ورد على عبد الله معاتبا بقوله : أما والله لكأني وقد تركت تلك
الأمور التي تدعو إليها، وقامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم
وجباههم بالسيوف، ودارت رحا الموت بين الفريقين، وكأني بك قد ضربت جنب
بغلتك إلي وخلفت هؤلاء المساكين - يعني الأنصار - يقتلون في سككهم
ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم .(11). فلم يأبه بكلامه وعصاه باقي الناس فلم
يسمعوا منه فانصرف عنهم ، يقول الراوي لتلك الواقعة : وكان الأمر والله كما
قال سواء (12 ) .

كما
نصحهم عبد الله بن عمر بمثل ما نصحهم به النعمان ، إذ دخل على عبد الله بن
مطيع فقال : إنما جئتك لأحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول فيه : " من نزع يدا من طاعة فإنه يأتي يوم القيامة لا حجة له، ومن مات مفارق الجماعة فإنه يموت موتة جاهلية "(13 ).

فلما
رآهم مصرين على خلع طاعة يزيد جمع بنيه وأهله ثم تشهد وقال: أما بعد فإنا
بايعنا هذا الرجل ( أي يزيد ) على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة ، يقال هذه
غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر إلا أن يكون الإشراك بالله أن يبايع رجل
رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته " (14) .

وكذلك محمد بن الحنفية
الذي قال لهم : ما رأيت منه ما تذكرون ( مما عابوه على يزيد ) ، وقد حضرته
وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة ، متحريا للخير ، يسأل عن الفقه
ملازما للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك ، فقال : وما الذي خاف مني
أو رجا حتى يظهر إلي الخشوع ؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن
كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا
بما لم تعلموا ، فقالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه.

فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" [ الزخرف: 86 ] ولست من أمركم في شيء ، فقالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نوليك أمرنا ، فقال: ما أستحل القتال على ما تريدونني عليه تابعا ولا متبوعا.
ولما
لم تجد تلك النصائح معهم شيئا ، وأصروا على خلع طاعة يزيد ، اضطر إلى أن
يفعل بهم كما فعل بأهل الكوفة فأرسل إليهم رجلا يسمى مسلم بن عقبة المزني ،
وقال له : ادع القوم ثلاثا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم ، وكف عنهم ،
وإلا فاستعن بالله وقاتلهم ، وانتهى الأمر بوقعة الحرة التي سالت فيها الدماء الزكية دون مراعاة لجوار رسول الله ، وكانت فاجعتها لا تقل عن مأساة مقتل الحسين رضي الله عنه .

وهكذا
قُدر ليزيد أن تشهد فترة خلافته فاجعتين من أشد فواجع التاريخ ، مقتل
الحسين رضي الله ، واستباحة المدينة ، ولم يعمر بعدها كثيرا فلحق بربه ،
وقد حُمّل أمام المسلمين مسئولية الأمرين معا ..

واستخلف ابنه معاوية الثاني قبيل موته ، وكان في العشرين
من عمره ، ولكن معاوية الثاني الذي عايش الأحداث السابقة ، ورأى أن أباه
تحمل تبعاتها على غير رضا منه آثر أن يخلع نفسه ، ويلقي عن كاهله عبء
التركة فنادى في الناس
بعد أيام من وفاة أبيه قائلا : " الصلاة جامعة " ، فلما اجتمع الناس إليه
قال : يا أيها الناس ! إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم
تركتها لرجل قوي كما تركها الصديق لعمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم (15).

وحدث
بسبب تنازله عن الخلافة دون عهد لأحد ما كان يتخوف منه جده معاوية ـ رضي
الله عنه ـ إذ نادى عبد الله بن الزبير لنفسه أميرا على الحجاز ، وبويع
مروان بن الحكم أميرا على الشام ، وتنازع العراق عدة أمراء ، وظلوا على
تلكم الحالة حتى اجتمع أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان على عبد الله بن
الزبير ، وبقيت الشام ومصر في يد مروان بن الحكم ، فعين ابنه عبد العزيز على مصر وأوصاه بأكابرها خيرا ، وبقي هو بالشام ..

وكان
مروان ـ رغم ما أشيع عنه ـ معروفا بالصلاح والفقه ، فقد جاء عن سالم أبي
النضر أنه قال: شهد مروان جنازة فلما صلى عليها انصرف، فقال أبو هريرة:
أصاب قيراطا وحرم قيراطا، فأخبر بذلك مروان فأقبل يجري حتى بدت ركبتاه،
فقعد حتى أذن له (16).

وقال عنه معاوية : القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود
الله، مروان بن الحكم . (17). وقال عنه أحمد بن حنبل : يقال كان عند مروان
قضاء، وكان يتتبع قضايا عمر بن الخطاب ، وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول
وذكر مروان يوما فقال : قال مروان: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة ،ثم
أصبحت فيما أنا فيه، من إهراق الدماء وهذا الشأن (18).

ونعود
لحديثنا فأقول : إن الأمر انتهى باجتماع المسلمين على عبد الملك بن مروان
بعد مقتل عبد الله بن الزبير ، وكان عبد الله قد ظل يُنادى بأمير المؤمنين
تسع سنوات تقريبا ، وقد قام خلالها بتجديد بينان الكعبة ؛ لأنها قد أصابها
شرر فاحترقت كسوتها وتصدع بعض جوانبها ..وكان قد بلغه أن رسول الله قال :
« يا عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لهدمت البيت حتى أدخل فيه ما أخرجوا منه في الحجر
، فإنهم عجزوا عن نفقته ، وجعلت لها بابين ، بابا شرقيا ، وبابا غربيا ،
وألصقته بالأرض ، ولوضعته على أساس إبراهيم »(19) فوسعها وأدخل فيها الحجر ...

وقد
امتد بأمه أسماء بنت الصديق العمر حتى شهدت وفاته فجاء إليها الحجاج معزيا
وقال : يا أسماء إنني وعبد الله تسابقنا إلى تلك الخشبة ( التي صلب عليها )
فسبقني إليها ، ورحل بعدها أخوه عروة بن الزبير إلى دمشق فدخل على عبد
الملك قبل أن يعلم بنبأ مقتل عبد الله فرحب به ، وأثناء الحديث قال له عبد
الملك : كيف حال أبي بكر ( أي عبد الله ) فقال له عروة : إن أبا بكر قد بان
، فقال له : وما فعل ؟ قال : قتل يرحمه الله ! فخر عبد الملك ساجدا ، ثم
قال له عروة : فهب جثته لأمه ، قال : أفعل ، وكتب إلى الحجاج يأمره بأن
ينزله من على خشبته ويدفعه إلى أمه لدفنه .

ولما
تمت البيعة لعبد الملك بالخلافة كتب إليه عبد الله بن عمر بن الخطاب يقول :
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك أمير المؤمنين !
سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنك راع وكل
راع مسئول عن رعيته " الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا" [ النساء: 86 ] لا أحد والسلام .(20).

وأختم بتلك الرسالة حلقة اليوم على أمل أن ألتقي بكم إن كان في العمر بقية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
*مدير موقع التاريخ الالكتروني
1ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 223).
2 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 230).
3 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 230).
4 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 163).
5 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 163)
6 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 165)..
7 ـ البداية والنهاية - (8 / 163)
8 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 252)..
9 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 253)
10 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
11 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
12 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
13 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
14 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 255)
15 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
16 البداية والنهاية - (ج 8 / ص 283).
17 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 283). .
18 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 283)..
19 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم - (ج 4 / ص 311).
20 ـ . البداية والنهاية - (ج 9 / ص 77)..

________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty رد: التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:32
نظرات في العصر الأموي (2 )
كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق *



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين ، وبعد ..
فقد تطرق بنا الحديث ـ أيها القراء الكرماء والكريمات ـ في الحلقة السابقة عن الظروف التي نشأت فيها الدولة الأموية ، ورأينا كيف استطاع معاوية ـ رضي الله عنه ـ أن يحافظ على وحدة المسلمين ، وأنه بذل ما في وسعه
ليبقي للدولة الإسلامية كيانها ، وأنه اضطر تحت ضغط المتغيرات التي أصابت
العالم الإسلامي وغلبة العصبية إلى أن يعهد لابنه يزيد بالخلافة من بعده ،
وأنه أوصاه قبيل موته قائلا : انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم
عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم كل
يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف،
وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم،
فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم
أخذوا بغير أخلاقهم، ... ثم أغمي عليه ثم أفاق، فقال: لمن حضره من أهله:
اتقوا الله عز وجل، فإن الله سبحانه يقي من اتقاه، ولا واقي لمن لا يتقي
الله؛ (1) ..

وصعدت
روحه إلى السماء بعد أن ترك ليزيد تركة ما أثقلها ، إذ ما إن ولي الخلافة
حتى ظهرت بوادر الاعتراض على إماراته ، فقد أرسل إلى المدينة ليأخذ البيعة
من أهلها ، فبايعه أهلها إلا عبد الله بن الزبير والحسين ، حيث أبيا وخرجا
من ليلتهما إلى مكة، وفي الطريق
لقيهما ابن عباس وابن عمر ـ رضي الله عنهم جميعا ـ فسألاهما، ما وراءكما؟
قالا: موت معاوية والبيعة ليزيد (2)؛ وأحس ابن عمر أنهما خرجا من المدينة
فرارا من مبايعته فقال لهما : اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين (3) .
لكنهما لم يستمعا لنصحه ، وذهبا إلى مكة ليحتميا بالحرم من الطلب.

وفي مكة أعلن الحسين وعبد الله بن الزبير امتناعهما عن البيعة فترفق بهما والي مكة عمرو بن سعيد ، ولان في معاملتهما ، ولم يشتد عليهما في طلب البيعة ، ومكثا فترة على تلك الحالة حتى كتب أهل الكوفة إلى الحسين ، يصفون الأمراء بغير ما فيهم ، ويدعون الحسين للخروج إليهم لتغيير هذا المنكر ، وجاء في أحد
كتبهم : بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب
بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من
أهل الكوفة. سلامٌ عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد،
فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة (
يقصدون معاوية رضي الله عنه ) فابتزها أمرها، وغصبها فيئها،
وتأمر عليها بغير رضاً منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال
الله دولةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود! إنه ليس
علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله؛ والسلام ورحمة الله عليك (4) .

وكانت تلك الرسالة بمثابة الشرارة التي أشعلت النار في جسد الأمة الإسلامية ، ولا أكون مبالغا إذ قلت : إن أثر نيرانها ما زال مشتعلا في فتنة السنة والشيعة كلما خبا وجد من ينفخ فيه ليزداد اشتعالا ..
وحركت تلك الرسالة ثائرة الحسين رضي الله عنه ؛ إذ كيف يرى ظلما كالذي وصف في تلك
الرسالة ولا يهب لتغييره ، ولم يعطه شيعة العراق فرصة لتبين الأمر ، وإنما
انهالت عليه رسائلهم ، رسالة تلو رسالة ، حتى كتبوا إليه مغرين أو قل :
مغررين : أما بعد فقد اخضرت الجنان ، وأينعت الثمار ، ولطمت الجمام ، فإذا
شئت فأقدم على جند لك مجندة ، والسلام عليك (5) .

وأؤكد هنا أن الحسين لم يثر طمعا في الخلافة
، ولا إيمانا منه بأنها حكرا على آل البيت كما يردد جهلة المتشيعة ، وإنما
الرجل رحمه الله ورضي عنه كان شديد الغيرة لدين الله عز وجل ، فلم يصبر
على ما سمع من أخبار تذكر أن حرمات الدين تنتهك ، وفي نفس
الوقت لم يتريث حتى يتأكد من مصدر تلك الكتب التي كانت تأتي إليه بذلك ،
بل لم يعط لنفسه الفرصة أو قل : لم يعطوه الفرصة ليستمع لنصح من نصحه حتى
من أقرب المقربين له ..

وعزم
بالفعل على المطالبة لنفسه بالخلافة فبعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي
طالب إلى الكوفة ؛ ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فتسامع أهل الكوفة
بقدومه ( مسلم بن عقيل ) فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له
لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا، ثم
تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا، وعندها كتب مسلم إلى الحسين ليقدم
عليها ، وأخبره بأنه قد مهد له البيعة والأمور.

وكان
أميرا على الكوفة وقتها النعمان بن بشير الصحابي الجليل ، وهو رجل معروف
بالتقوى والورع ، ولذلك لم يتعرض لأحد ممن اجتمع على مسلم بسوء ، ولكنه لما
علم أنهم يريدون نقض البيعة ليزيد خطب فيهم
ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسنة، وقال: إني لا أقاتل
من لا يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، ولا آخذكم بالظنة، ولكن والله
الذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته (6).

والنعمان
ما قال هذا الكلام إلا لعلمه أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ما دام لا
يبدر منه ما يخالف شرع الله ، وهو واحد من الأمراء شاهد على عدل يزيد ومن
قبله معاوية ..

وحاول
واحد من جلسائه وهو (عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ) أن ينصحه بالشدة
مع من ينوون الفتنة ، وقال له : إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشمة (الشدة )
وإن الذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين ، فقال له النعمان: لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأقوياء الأعزين في معصية الله (7).

ووصل
خبر مسلم بن عقيل إلى يزيد فاضطر إلى أن يعزل النعمان بن بشير عن الكوفة
ويعين عليهم رجلا أشد قسوة ، وكان هذا أول شؤم حل عليهم نتيجة خلعهم لطاعة
أميرهم ، وحرمت الكوفة إلى الأبد من أمير في ورع وتقوى النعمان رضي الله عنه.

ودخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة وهي في ظروف غير طبيعية ، ولذلك كان لابد أن تكون ولايته متأثرة بتلك الظروف ، وكان عليه أن ينحي اللين الذي كان سببا في عزل
النعمان جانبا ، ويأخذ أهلها بالشدة لتستقر له الأمور ، فصعد إلى قصر
الإمارة وأمر مناديا فنادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس خرج إليهم فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين قد ولاني أمركم وثغركم
وفيأكم، وأمرني بأنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على مريبكم وعاصيكم، وإنما أنا ممتثل فيكم أمره ومنفذ عهده.(Cool .

وكانت
المفاجأة أن من التفوا حول مسلم بن عقيل بمجرد أن رءوا الجد من عبيد الله
بن زياد تسللوا عنه حتى بقي وحيدا ، بل أرشدوا إلى البيت الذي اختبأ فيه ليلقى حتفه ..

وكان الخطأ الذي وقع فيه
مسلم أنه لم يتأن قليلا حتى يعايش هؤلاء ويعرف مدى صلابتهم واستعدادهم
للثبات معه وقت الشدة ، وإنما أسرع بالكتابة إلى الحسين تحت ضغط من زعماء
المتشيعة ليدعوه للمجيء إلى الكوفة ، وعجل الحسين هو الآخر المسير بمجرد أن
جاءته رسالة مسلم التي تصف اجتماعهم عليه ، ولو تمهل مسلم قليلا حتى جاء
عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ورأى انصراف الناس عنه ما خرج الحسين من مكة
ولا حدث شيء من مأساة مقتله ، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا ..

وقد
حاول بعض أقارب الحسين إثنائه عن الرحيل إلى الكوفة ، وحذروه من إغواء
شيعة الكوفة ، وذكروه بما فعلوه بأبيه ثم أخيه الحسن من قبل ، ومن هؤلاء
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي كتب إليه يقول: أما بعد، فإني أسألك
بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفقٌ عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين؛ ورجاء المؤمنين؛ فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب؛ والسلام.

ثم ذهب عبد الله من فوره إلى عمرو بن سعيد بن العاص والي الحجاز فكلمه، وقال: اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنيه فيه البر والصلة، وتوثق له في كتابك، وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع؛
فقال عمرو ابن سعيد: اكتب ما شئت وأتني به حتى أختمه، فكتب عبد الله بن
جعفر الكتاب، بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي،
أما بعد، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك، وأن يهديك لما يرشدك؛ بلغني
أنك قد توجهت إلى العراق، وإني أعيذك بالله من الشقاق، فإني أخاف عليك فيه
الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبل إلي معهما،
فإن لك عندي الأمان والصلة والبر وحسن الجوار لك، الله علي بذلك شهيدٌ وكفيلٌ، ومراعٍ ووكيلٌ؛ والسلام عليك (9).

ثم
أتى به عمرو بن سعيد فقال له: اختمه، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد، فإنه
أحرى أن تطمئن نفسه إليه، ويعلم أنه الجد منك، ففعل؛ فلحقه يحيى وعبد الله
بن جعفر، ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب، فقالا: اقرأناه الكتاب،
وجهدناه، وكان مما اعتذر به إلينا أن قال: إني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، علي كان أو لي؛ فقالا له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدثت أحداً بها، وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي.

ووصل على مقربة من الكوفة في "كربلاء
" وهناك انفض عنه عامة من خرج معه إلا بقية من أهل بيته ، ويبدو أن هذا
الفعل جعله يعزم على الانصراف راجعا ، وخاصة بعد أن ترجاه كثير من الناصحين
ومن قادة الجيش الذي بعثه إليه ابن زياد ، وكان كل واحد منهم يتمنى ألا
يبتلى بدمه ، لكن آل عقيل بن أبي طالب لما علموا بمقتل مسلم أصروا على
الثأر لمقتل مسلم ، فدخل في مواجهة غير متكافئة انتهت بمقتله وكثير من آل بيته..

ومثل
مقتله فاجعة كبيرة للمسلمين بقي أثرها إلى الآن ، وأكبر من تلك الفاجعة أن
مقتله كسر حاجز الهيبة الذي كان لدى المسلمين من مس آل بيت رسول الله بسوء
، وصارت دماؤهم الزكية مستباحة فيما بعد لا يحس الناس بحرمتها .

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد ، وإنما أدى مقتله إلى وقوع الشحناء بين الأسرة الأموية الحاكمة وبين عامة الشعب ، إذ لم يغفروا لها ولوغها في دم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملوها وحدها وزر مقتله .
فانتفضت
المدينة غضبا للمأساة التي حلت به ، وثار عبد الله بن الزبير بمكة ، وحلت
النكبات على يزيد بالشام ، فبعث إلى أهل المدينة النعمان بن بشير ينهاهم
عما صنعوا ، ويحذرهم غب ذلك ، ويأمرهم بالرجوع إلى السمع والطاعة ولزوم
الجماعة، فسار إليهم وفعل ما أمره يزيد ، وخوفهم الفتنة وقال لهم: إن
الفتنة وخيمة، وقال: لا طاقة لكم بأهل الشام، فقال له عبد الله بن مطيع: ما
يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا ؟ (10)

وأغضبت
مقولة عبد الله بن مطيع النعمان ، فهو لم يبغ إلا وحدة جماعتهم وإصلاح
أمرهم ، ورد على عبد الله معاتبا بقوله : أما والله لكأني وقد تركت تلك
الأمور التي تدعو إليها، وقامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم
وجباههم بالسيوف، ودارت رحا الموت بين الفريقين، وكأني بك قد ضربت جنب
بغلتك إلي وخلفت هؤلاء المساكين - يعني الأنصار - يقتلون في سككهم
ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم .(11). فلم يأبه بكلامه وعصاه باقي الناس فلم
يسمعوا منه فانصرف عنهم ، يقول الراوي لتلك الواقعة : وكان الأمر والله كما
قال سواء (12 ) .

كما
نصحهم عبد الله بن عمر بمثل ما نصحهم به النعمان ، إذ دخل على عبد الله بن
مطيع فقال : إنما جئتك لأحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول فيه : " من نزع يدا من طاعة فإنه يأتي يوم القيامة لا حجة له، ومن مات مفارق الجماعة فإنه يموت موتة جاهلية "(13 ).

فلما
رآهم مصرين على خلع طاعة يزيد جمع بنيه وأهله ثم تشهد وقال: أما بعد فإنا
بايعنا هذا الرجل ( أي يزيد ) على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة ، يقال هذه
غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر إلا أن يكون الإشراك بالله أن يبايع رجل
رجلا على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته " (14) .

وكذلك محمد بن الحنفية
الذي قال لهم : ما رأيت منه ما تذكرون ( مما عابوه على يزيد ) ، وقد حضرته
وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة ، متحريا للخير ، يسأل عن الفقه
ملازما للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك ، فقال : وما الذي خاف مني
أو رجا حتى يظهر إلي الخشوع ؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن
كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا
بما لم تعلموا ، فقالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه.

فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" [ الزخرف: 86 ] ولست من أمركم في شيء ، فقالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نوليك أمرنا ، فقال: ما أستحل القتال على ما تريدونني عليه تابعا ولا متبوعا.
ولما
لم تجد تلك النصائح معهم شيئا ، وأصروا على خلع طاعة يزيد ، اضطر إلى أن
يفعل بهم كما فعل بأهل الكوفة فأرسل إليهم رجلا يسمى مسلم بن عقبة المزني ،
وقال له : ادع القوم ثلاثا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم ، وكف عنهم ،
وإلا فاستعن بالله وقاتلهم ، وانتهى الأمر بوقعة الحرة التي سالت فيها الدماء الزكية دون مراعاة لجوار رسول الله ، وكانت فاجعتها لا تقل عن مأساة مقتل الحسين رضي الله عنه .

وهكذا
قُدر ليزيد أن تشهد فترة خلافته فاجعتين من أشد فواجع التاريخ ، مقتل
الحسين رضي الله ، واستباحة المدينة ، ولم يعمر بعدها كثيرا فلحق بربه ،
وقد حُمّل أمام المسلمين مسئولية الأمرين معا ..

واستخلف ابنه معاوية الثاني قبيل موته ، وكان في العشرين
من عمره ، ولكن معاوية الثاني الذي عايش الأحداث السابقة ، ورأى أن أباه
تحمل تبعاتها على غير رضا منه آثر أن يخلع نفسه ، ويلقي عن كاهله عبء
التركة فنادى في الناس
بعد أيام من وفاة أبيه قائلا : " الصلاة جامعة " ، فلما اجتمع الناس إليه
قال : يا أيها الناس ! إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم
تركتها لرجل قوي كما تركها الصديق لعمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة منكم كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم (15).

وحدث
بسبب تنازله عن الخلافة دون عهد لأحد ما كان يتخوف منه جده معاوية ـ رضي
الله عنه ـ إذ نادى عبد الله بن الزبير لنفسه أميرا على الحجاز ، وبويع
مروان بن الحكم أميرا على الشام ، وتنازع العراق عدة أمراء ، وظلوا على
تلكم الحالة حتى اجتمع أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان على عبد الله بن
الزبير ، وبقيت الشام ومصر في يد مروان بن الحكم ، فعين ابنه عبد العزيز على مصر وأوصاه بأكابرها خيرا ، وبقي هو بالشام ..

وكان
مروان ـ رغم ما أشيع عنه ـ معروفا بالصلاح والفقه ، فقد جاء عن سالم أبي
النضر أنه قال: شهد مروان جنازة فلما صلى عليها انصرف، فقال أبو هريرة:
أصاب قيراطا وحرم قيراطا، فأخبر بذلك مروان فأقبل يجري حتى بدت ركبتاه،
فقعد حتى أذن له (16).

وقال عنه معاوية : القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود
الله، مروان بن الحكم . (17). وقال عنه أحمد بن حنبل : يقال كان عند مروان
قضاء، وكان يتتبع قضايا عمر بن الخطاب ، وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول
وذكر مروان يوما فقال : قال مروان: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة ،ثم
أصبحت فيما أنا فيه، من إهراق الدماء وهذا الشأن (18).

ونعود
لحديثنا فأقول : إن الأمر انتهى باجتماع المسلمين على عبد الملك بن مروان
بعد مقتل عبد الله بن الزبير ، وكان عبد الله قد ظل يُنادى بأمير المؤمنين
تسع سنوات تقريبا ، وقد قام خلالها بتجديد بينان الكعبة ؛ لأنها قد أصابها
شرر فاحترقت كسوتها وتصدع بعض جوانبها ..وكان قد بلغه أن رسول الله قال :
« يا عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لهدمت البيت حتى أدخل فيه ما أخرجوا منه في الحجر
، فإنهم عجزوا عن نفقته ، وجعلت لها بابين ، بابا شرقيا ، وبابا غربيا ،
وألصقته بالأرض ، ولوضعته على أساس إبراهيم »(19) فوسعها وأدخل فيها الحجر ...

وقد
امتد بأمه أسماء بنت الصديق العمر حتى شهدت وفاته فجاء إليها الحجاج معزيا
وقال : يا أسماء إنني وعبد الله تسابقنا إلى تلك الخشبة ( التي صلب عليها )
فسبقني إليها ، ورحل بعدها أخوه عروة بن الزبير إلى دمشق فدخل على عبد
الملك قبل أن يعلم بنبأ مقتل عبد الله فرحب به ، وأثناء الحديث قال له عبد
الملك : كيف حال أبي بكر ( أي عبد الله ) فقال له عروة : إن أبا بكر قد بان
، فقال له : وما فعل ؟ قال : قتل يرحمه الله ! فخر عبد الملك ساجدا ، ثم
قال له عروة : فهب جثته لأمه ، قال : أفعل ، وكتب إلى الحجاج يأمره بأن
ينزله من على خشبته ويدفعه إلى أمه لدفنه .

ولما
تمت البيعة لعبد الملك بالخلافة كتب إليه عبد الله بن عمر بن الخطاب يقول :
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك أمير المؤمنين !
سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنك راع وكل
راع مسئول عن رعيته " الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا" [ النساء: 86 ] لا أحد والسلام .(20).

وأختم بتلك الرسالة حلقة اليوم على أمل أن ألتقي بكم إن كان في العمر بقية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
*مدير موقع التاريخ الالكتروني
1ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 223).
2 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 230).
3 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 230).
4 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 163).
5 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 163)
6 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 165)..
7 ـ البداية والنهاية - (8 / 163)
8 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 252)..
9 ـ تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 253)
10 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
11 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
12 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
13 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
14 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 255)
15 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 261)..
16 البداية والنهاية - (ج 8 / ص 283).
17 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 283). .
18 ـ البداية والنهاية - (ج 8 / ص 283)..
19 ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم - (ج 4 / ص 311).
20 ـ . البداية والنهاية - (ج 9 / ص 77)..
المصدر : موقع التاريخ

________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty رد: التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:47
النشاط العمراني والحضاري في الدولة الأموية

بقلم / عبد العزيز الصعب

استطاع بنو أمية أن يسيروا بالعرب في طريق القوة والمنعة، وأنيصونوا تراثهم من الضياع ، وذلك من حيث الاحتفاظ بالروح الإسلامية ، وكذلك اتساع الدولةالإسلامية، وأيضاً من حيث الحركة العلمية.

ولعل المهم هنا هو ما برهنه العرب في العصر الأموي من حيث نشاطهم العمراني علىأنه من الشعوب المتحضرة الكبرى، ولذلك نجد هم وقد احترموا تراث الماضين ، واهتموابالتعمير ، وأحاطوا رجال الفن والصناعة في البلاد المفتوحة بالرعاية، ولعل لاختياردمشق مركزاً للخلافة الأموية أثره الكبير في تأثرهم ببعض الطرز الفنية التي كانتتسود بلاد الشام ، حيث كانت تزدهر مدارس الفن الهلنستي والبيزنطي المتأثر ببعض أساليبالفن الساساني وذلك بحكم طبيعة الجوار، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يتأثر المسلمونبأساليب البناء والفن تلك عندما بدءوا يقيمون لأنفسهم منشآت دينية ومدنية وحربيةتضاهي في عظمتها منشآت البيزنطيين.
إضافة إلى ذلك لم يأنف العرب من أن يتتلمذوا على أيدي أرباب الحرف والفنانين منالسوريين والقبط والفرس وغيرهم ، ومن هنا نجد أن الفن المعماري والفنون الصناعيةالإسلامية في العصر الأموي تعتمد أساساً على التقاليد الفنية المحلية.
ولأن الأمويين كانوا يميلون إلى حب الترف والتظاهر به وإلى الأبهة والفخامةاهتموا بإنشاء القصور والصور والتماثيل وهذا ما تدل عليه الآثار الأموية الباقية منالقصور الخلافية التي يتجلى فيها ميل الأمويين إلى الفن وانجذابهم إلى البادية ، حيثالتمتع بهدوء الصحراء التي عاش فيها آباؤهم قبل عصر الفتوحات وحن إليها أبناؤهم،ولا شك أن البادية هي التي نبعت منها ملكات العرب الفكرية من الحس والشعور والخيالوهي كذلك مصدر إلهام شعرائهم وحكمائهم ، ومن هنا آثر خلفاء بني أمية الذين لم تغنهمحياة الترف واللهو في المدن أن يقصدوا البادية للتنعم فيها بالراحة والهدوء ، ولهذافإن معظم قصورهم على حافة البادية.
ولعل ما تبقى من آثار القصور الأموية في البادية آثار قصر المشتى الذي قيل أنالوليد الثاني أقامه على أنقاض قصر غساني في شرق الأردن ، ويحيط بالقصر سور خارجيمربع الشكل تدعمه أبراج نصف دائرية ، وأبراج اسطوانية في الزوايا الأربعة، ويبلغ طولكل جانب منه (144متراً) ويتألف هذا القصر من مجلس أمامي مزود بغرف جانبية وفناءمركزي كبير يتوسطه حوض ماء إما القاعة الرئيسية فأشبه ما يكون نظامها بالنظام)البازيلكيي) القائم على ثلاثة أروقة تمتد عمودية على الجدار الرئيسي، وكان القصرمزودا ببوابة واحدة يكتنفها على كل من الجانبين برج نصف دائري مطول ، ويزين الجدرانالجانبية واجهة من النقوش الدقيقة حفرت زخارفها في الكسوة الحجرية حفراً غائراً،وقد نقلت هذه الواجهة بزخارفها ونقوشها المكتظة إلى متحف الدولة ببرلين، كما يرجعإلى هذا الخليفة أيضاً الفصل في بناء (قصر خربة المنية) الذي يقع إلى الشمال الغربيمن بحيرة طبرية ، ويذكر المؤرخون أن الخليفة أيضاً قام ببناء قصر القسطل الذي يبعدنحو عشرين ميلاً جنوبي عمان ، ويشير المؤرخون أيضاً إلى أنه كان ينزل بالقصر الأزرقببادية عمان ، ويقع بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له (الأغدف( .
ومن القصور التي تنسب إلى هشام بن عبد الملك قصر (خربة المفجر) الذي يقع على بعدثلاثة أميال شمال أريحا قريباً من البحر الميت، وكان قصراً شتوياً تزدان جدرانهبرسوم آدمية وحيوانية، ونشهد اسم هشام مسجلاً على أحد جدران القصر، وقد عثر في إحدىقاعات القصر على تمثال لفتاة تحمل حزمة من الأزهار، كما كان بلاطه من الفسيفساء الذيتتجلى
فيه رسوم نباتية كلها ملونه بألوان زاهية، كما ينسب إلى نفس الخليفة قصر
الحير الغربي الواقع على بعد أربعين ميلاً إلى الجنوب الغربي من تدمر،
ولعله نفس
القصر الذي ذكره الطبري باسم الزيتونة ، وقد عثر في أطلال هذا القصر على نقوش عربيةوتماثيل من النوع التدمري الروماني ، وكان هذا القصر محاطاً بغابة من الأشجار والجناتتبقت آثارها، وهناك كذلك بقايا قصر يسمى الحير الشرقي يقع على بعد أربعين ميلاًشمالي شرقي تدمر ، وينسب بناؤه إلى نفس الخليفة أيضاً.
وقد اكتشف لويس موسل في سنة 1898م قصراً من القصور التي تنسب إلى الخليفةالوليد بن عبد الملك يسمى بقصر عمره ، وهو قصر صغير يقوم في الصحراء على جانب من واديبطم، وعلى مسافة تبعد نحو خمسين ميلاً من عمان، وقد أقام فيه هذا المكتشف ليلة منسنة 1901م ، وأقام فيه الفنان النمساوي (ميليخ) الذي قام بنقل بعض رسومه، وهذا القصرعبارة عن بناء صغير نسبياً يشتمل على حمام وقاعة للاستقبال، تنفتح على الجانبالجنوبي منها غرفتان من الجانبين أشبه بالخدعين، تنتهيان من الخارج بحنيتين ، وكانتأرضيه الغرف والقاعات تزدان بالفسيفساء التي تمثل زخارف نباتية ، أما الغرف الأخرىفكانت مكسوة بالرخام، وتزدان جدران الغرف بصور جدرانية ملونة من النوع المعروفبالفريسكو، أما جدران المخدع فتزدان برسوم تمثل أعداء الإسلام قيصر ولذريق وحسروونجاشي، كذلك يزدان الحمام بصور ملونة ومتعددة وجميع موضوعاتها هلينستية الطابع ، أماالتصاوير التي توجد في متحف دمشق حالياً من قصر الحير الغربي ففيها أثر من الفنالساساني فيما تجمع زخارف قصر المشتى بين التقاليد الفنية الساسانية والبيزنطية.
ومن هنا نجد أن الأمويين قد أبدعوا فنا في بناء القصور التي بقيت الآن شاهداًعلى مدى حبهم وعشقهم لحياة الترف والفخامة التي عرفوا بها

________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty رد: التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:50
لأمويون في ميزان التاريخ


ينتسب الأمويون إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وفي عبد مناف يلتقي بنو أمية مع بني هاشم، وكان بنو عبد مناف يتمتعون بمركز الزعامة في مكة، لا يناهضهم فيه أحد من بطون قريش.. وجميع قريش تعرف ذلك وتسلم لهم الرياسة عليها(1).

وكانوا وحدة واحدة في اقتسام السلطة في مكة مع بني عمهم عبد الدار بن قصي، الذي فضله والده على سائر أبنائه، رغم شرفهم عليه، وجعل له الحجابة واللواء والسقاية والرفادة..

وكان زعيمهم في هذه المحاولة هو عبد شمس، أبو أمية، إذ كان أسن بني عبد مناف، وتفرقت قريش على ذلك بين فريقين، عبد مناف وعبد الدار..

ثم
تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تكون
الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، فولي الرفادة والسقاية هاشم بن
عبد مناف، وذلك أن عبد شمس كان رجلاً سفاراً، قلما يقيم بمكة، وكان مقلاً
ذا ولد، وكان هاشم موسراً (2).. وهكذا كانت السلطة في مكة
عبارة عن مراكز نفوذ تقررها الأهمية الاقتصادية، دون أن يكون لأسرة ما أو
زعيم ما السيادة الكاملة على غرار ما كان لقصي زعيم قريش الأول (3) .


وكذلك اشترك بنو عبد مناف معاً في جهودهم لتنظيم التجارة بين مكة وما حولها (4)، وصاروا يداً واحدة تتحرك في تفاهم وتآلف، فلما ماتوا رثاهم الشعراء معاً، دون تفريق بينهم تماماً كما كانوا يمتدحونهم معاً (5)..

وهكذا تقتضي طبيعة الحياة العربية في الجاهلية أن يتناصر أبناء الأب الواحد، وأن تجتمع كلمتهم ما وجدوا إلى ذلك سبيلا (6).

وأما
الروايات التي تزعم وجود عداء مستحكم بين بني هاشم وبني عبد شمس وأميه قبل
الإسلام، فهي واهية الأسانيد، لا تثبت، فهي تروي أن هاشماً وعبد شمس ولدا
ملتصقين ففصل بينهما بالسيف، فكان بين أبنائهما الدماء لأجل ذلك (7) ، فهذه
رواية لقيطة ليس لها راوي، تفوح منها رائحة الأسطورة والخيال، ويكذبها ما
رواه ابن اسحاق من أن عبد شمس كان أسن بني عبد مناف (Cool والروايات التي
تروي أن منافرات حدثت بين هاشم
وأمية بن
عبد شمس، وبين عبد المطلب بن هاشم وحرب بن أمية (9)، وكلتا الروايتين
ترويان عن هشام الكلبي وهو راوية شيعي كذاب يرويهما كلتهما عن رجال مجهولين
لا يعرف أسماءهم (10).


وهذه
الروايات رغم سندها المعتل , ومتنها المصطنع كانت صدى لكل ما شيع من صراع
بين بني أمية وبني هاشم , هذا الصراع الذي حاول الرواة أن يجعلوا له سنداً
تاريخياً ثابتاً، رغم أن العلاقة بين القبيلتين كانت طيبة , يقول ابن خلدون
: كان لبني عبد مناف في قريش جمل من العدة والشرف لا يناهضهم فيها
أحد من سائر بطون قريش: وكان فخذاهم بنو أمية وبنو هاشم هما جميعاً ينتمون
لعبد مناف، وينتسبون إليه، وقريش تعرف ذلك وتسأل لهم الرياسة عليهم (11)
..


يقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وقد سئل: أيكم كان أشرف أنتم أم بنو هاشم؟ فأجاب: كنا أكثر أشرافاً وكانوا هم أشرف، وكان فيهم عبد المطلب , ولم يكن فينا مثله، فلما صرنا أكثر عدداً وأكثر أشرافاً، ولم يكن فيهم
واحد كواحدنا، فلم يكن إلا كقرار العين حتى قالوا: منا نبي، فجاء نبي لم
يسمع الأولون والآخرون بمثله، محمد صلى الله عليه وسلم، فمن يدرك هذه
الفضيلة وهذا الشرف (12)؟ .


وهذا الكلام يفهم منه وجود نوع من التنافس بين الجانبين قبل الإسلام، في ضوء ما نعرف من طبيعة الحياة العربية في مكة
قبل الإسلام، ولكنه تنافس يحدث بين الإخوة أحياناً، وبين أبناء الأب
الواحد، غير أنه لم يتطور ليصبح تربصاً وعداء كما يزعم المتزيدون (13).


ولدينا من شواهد التاريخ ما يدل على قوة العلاقة بين بني هاشم وبني أمية، فقد كان عبد المطلب بن هاشم ـ زعيم الهاشميين في عصره ـ صديقاً لحرب بن أمية ـ زعيم الأمويين ـ كما كان العباس بن عبد المطلب بن هاشم صديقاً حميماً لأبي سفيان بن حرب بن أمية.

والغريب
أن المقريزي الذي ألف كتاباً خاصاً عن علاقات الهاشميين والأمويين وجعل
محوره النزاع والتخاصم ، يعترف بالصداقة الوطيدة التي كانت بين العباس وأبي
سفيان
(14)، فإذا كانت الصداقة الوطيدة قائمة، ووطيدة بين زعماء البيتين ـ
الأموي والهاشمي ـ وهما أبناء أب واحد، وهو عبد مناف بن قصي، فإن الحدس
بتأصيل النزاع بينهما بعد الإسلام والرجوع به إلى ما قبل الإسلام لا سند له
من تاريخ (15) .


وكل ما جاء في كتاب " النزاع والتخاصم " من أن العداوة مستحكمة بين بني أمية وهاشم وأنها قديمة لا يثبت أمام البحث العلمي النزيه.

والذين ينظرون إلى تاريخ بني أمية من خلال موقف أبي سفيان من الإسلام في مكة
, ومن خلال ما دار بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من حروب يبنون على ذلك ـ
كما فعل العقاد ـ أوهاماً من صراع تاريخي قبل الإسلام وبعده , بين بني
هاشم وبني أمية وتلك أوهام ليس لها من التاريخ إلا رواية ملفقة أو أحداثاً
عارضة لا تمثل قط صراعاً بين هذين الفرعين الكريمين من بني عبد مناف , وهما
ذروة الشرف في قريش(16)،
والذي يظهره البحث العلمي النزيه ـ وبعد ترك الروايات والأساطير الساقطة ـ
هو أن العلاقة بين البطنين كانت طبيعية مثلها مثل العلاقة بين باقي بطون
قريش...


لقد
كان تعامل الأمويين مع الدعوة الناشئة هو نفس تعامل بقية بطون قريش للدعوة
الجديدة من أمثال بني مخزوم وبني هاشم وغيرهم , ولنأخذ على ذلك مثالاً وهو
كيفية تعامل بني هاشم رهط النبي صلى الله عليه وسلم وأقرب بطون قريش إليه مع الدعوة، لقد كان منطق العصبية السائد في الجاهلية
يقتضي أن يتلقف بنو هاشم الدعوة الجديدة التي تحقق لهم العزة والشرف
بالإيمان والنصرة , وأن يقفوا خلف النبي الهاشمي بالتأييد والبذل، وقد
وقفوا إلى جواره فعلاً في بعض المواقف ولعل أشهرها حصار الكافرين لهم في شعب بني هاشم، ولكنهم في النظرة الشاملة انقسموا عليه بين مؤيد ومعارض , ومؤمن وكافر، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من قبائل مكة..


والمثال
المشهور لكفار بني هاشم هو أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان
أول من جهر بعداوة الإسلام لما جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته، ولم
يكتف بالمعارضة الصريحة بل عضدها بالعمل والكيد، فقد مارس صور شتى تعذيب
الرسول صلى الله عليه وسلم وصد الناس (17) عنه، وكانت معه زوجته أم جميل
بنت حرب الأموية، وابنيه عتبة وعتيبة اللذين طلقا بنتي النبي رقية وأم كلثوم ليشغلا محمداً (18) ببنتيه، وكان ابنه عتبة يشارك في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى دعا عليه فنهشه أسد في بعض أسفاره(19)..


بل إن أبا لهب لم يدخل مع قومه شعب بني هاشم لما حاصرتهم قريش (20) فيه،
ولما لم يستطع الخروج مع قريش لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر
استأجر بدلاً منه العاص بن هشام بن المغيرة بأربعة آلاف درهم (21)..


وقد كان أبو لهب في كفره وعناده مثالاً مشهوراً , ولكنه لم يكن الهاشمي الوحيد الذي كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم وجهد في إيذائه وحربه، فقد كان في أسرى
المشركين يوم بدر من بني هاشم العباس بن عبد المطلب , وعقيل بن أبي طالب ,
ونوفل بن الحارث، وحليفهم عتبة بن عمرو بن جحدم، وقد قبل الرسول صلى الله
عليه وسلم فداءهم فيمن افتدى من أسرى قريش (22)، وكان أبو سفيان
بن الحارث بن عبد المطلب ممن شهد قتال يوم بدر مع المشركين ونجا من القتل
والأسر (23) , وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم , وأخوه من الرضاعة ـ
أرضعتهما حليمة السعدية أياماً ـ وكان يألف رسول الله صلى الله عليه وسلم,
وكان له ترباً , فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عاداه عداوة لم
يعادها أحد قط، ولم يدخل الشعب مع بني هاشم وهجا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصحابه، وكان من المجاهرين بالظلم له صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن
به قبل الهجرة (24).


إن أعظم النصرة والتأييد لقيهما النبي صلى الله عليه وسلم من عمه أبي طالب الذي تحمل في سبيل ذلك ضغوطاً هائلة من قريش , ولكنه ظل حتى اللحظات الأخيرة من حياته وفياً لدين آبائه، فمات على ملة الأشياخ من قومه (25)، وظل العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم الآخر في مكة، واشترك مكرهاً ضده في غزوة بدر وأسر بها، ولكنه لم يهاجر إلى المدينة , ويعلن إسلامه إلا والرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه لفتح مكة (26)..

وقد أسلم في مكة نفر من بني هاشم , وبذلوا في سبيل
الدعوة الكثير مثل على بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي
طالب وغيرهم , ولكنهم كانوا يشاركون غيرهم من غير بني هاشم في ذلك
, كأبي بكر وعمر وعثمان، ولم يكن بذلهم لأنهم هاشميون بل لأنهم مسلمون،
ويظل إيمانهم دليلاً على صدق القول باختلاف استجابة الأفراد للدعوة
الإسلامية بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية (27).


وبالنسبة
لبني أمية وموقفهم من الإسلام فإن مؤرخينا لا يتحدثون عنهم كبطن مستقل من
بطون قريش , وإنما يتحدثون عنهم مع غيرهم من بني عبد شمس والد أمية، فيعدونهم
وحدة واحدة (28) ، وقد كانوا أبناء أب واحد , وتربطهم علاقات التصاهر
والترابط الاجتماعي , ولذلك فإنهم عند حديثهم عن عداء بني أمية للرسول صلى
الله عليه وسلم يذكرون اسمي عتيبة وشيبة ابني ربيعة بن عبد شمس، ورغم أنهما
ليسا من بني أمية..


ويذكرون معهما أيضاً أبا سفيان بن حرب , وعقبة بن أبي معيط، فأما عقبة بن أبي معيط هذا فقد كان من مردة قريش، فقد تفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورمى عليه صلى الله عليه وسلم سلا جزور وهو يصلي، وخنقه بثوب في عنقه حتى دفعه أبو بكر الصديق (29)..

وقد
نال جزاءه لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله بعد أسره يوم بدر،
والغريب أنه كان يذكره بما بينهما من رحم (30) ، ومثل هذه النماذج الطائشة
لم ينفرد بها بنو أمية أو عبد شمس في مكة آنذاك (31) .


وأما
معارضة عتبة وشيبة ابني ربيعة فمعلومة ومشهورة , ومع هذا لما هاجر الرسول
صلى الله عليه وسلم إلى الطائف , وصده عنها أهلها , وتبعه الصبيان والغلمان
يرمونه ويصيحون به لجأ إلى حائط ابني ربيعة عتبة وشيبة، فلما رأياه على
هذا الحال تحركت له رحمهما، فدعوا غلاماً نصرانياً يقال له عداس، فقالا له:
خذ قطعاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب إلى ذلك الرجل , فقل له يأكل منه (32).


وإذا جارينا نهج المؤرخين في الحديث
عن بني أمية وبني عبد شمس معاً، فإننا نرى منهم جماعة كانوا من السابقين
إلى الإسلام، فمنذ المرحلة السرية للدعوة وقبل الجهر بها كان قد أسلم كل من
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، وكان إسلامه على يد أبي بكر الصديق في أيام الإسلام الأولى (33)، وكذلك كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، وقد أسلم في هذه المرحلة السرية التي دامت حوالي ثلاث سنين (34) ـ أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس (35) ، كما أسلم في مرحلة
مبكرة حليفان لبني أمية وهما عبد الله بن جحش بن رئاب , وأخوه أبو أحمد بن
جحش , وهما ابنا عمة النبي صلى الله عليه وسلم فأمهما أميمة بنت عبد
المطلب (36).


وفي الهجرة
الأولى إلى الحبشة شارك نفر من مسلمي بني أمية مثل عثمان بن عفان ومعه
زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة بن
ربيعة، وزوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو (37)، كما كان لبني أمية مشاركة في الهجرة الثانية , ومعهم بعض حلفائهم ، وقد ساهمت نساء بني أمية وعبد شمس في صنع مسيرة الإسلام , وفي إعطاء الأسوة , وضرب المثل في نبل
التضحية , وعزيز العطاء، فقد أسلمت رملة بنت شيبة بن ربيعة زوجة عثمان بن
عفان , وهاجرت معه إلى المدينة , وثبتت معه على دينه , رغم مقتل أبيها
وعمها (38).


وهاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط إلى المدينة في الهدنة التي كانت بين النبي والمشركين في الحديبية

على أن الصورة الأزهى والنموذج الأرقى في ذلك المجال هو إسلام أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، فقد أسلمت مبكراً (39)، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة.

لم
يكن إذن بين بني هاشم وبني أمية من المباغضة والعداوة والمنافرة التي
اخترعها وابتكرها أعداء الإسلام والمسلمين ونسجوا الأساطير والقصص حولها،
وإنما الحقيقة التاريخية تقول، بأن علاقتهم كانت علاقة أبناء العمومة
والإخوان والخلان، فهم من أقرب الناس فيما بينهم، يتبادلون الحب والتقدير، والاحترام، ويتقاسمون الهموم والآلام والأحزان..


فبنو
أمية وبنو هاشم كلهم أبناء أب واحد، وأحفاد جد واحد، وأغصان شجرة واحدة
قبل الإسلام وبعد الإسلام , وكلهم استقوا من عين واحدة , ومنبع صاف واحد،
وأخذوا الثمار من دين الله الحنيف الذي جاء به رسول الله الصادق الأمين،
المعلم، المربي، خاتم الأنبياء والمرسلين، ولقد كان بين أبي سفيان
وبين العباس صداقة يضرب بها الأمثال (40) ، كما كانت بينهم المصاهرات قبل
الإسلام وبعده , وكان على رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي زوج
بناته الثلاثة من الأربعة من بني أمية.


المصدر : كتاب الدولة الأموية للدكتور علي الصلابي




[b]الهوامش : [/b]

[b]1- النجوم العوالي للعصامي (3/2) .


2- السيرة النبوية ابن هشام (1/137 ـ 138 ، 141) .

3- الحجاز والدولة الإسلامية ص 87 .

4- تاريخ الطبري (2/252) .[1][1]

5- السيرة النبوية ابن هشام (1/144 ـ 148) .

6- الدولة الأموية المفترى عليها ص 122 .

7- النزاع والتخاصم للمغريزي ص 181 .

8- السيرة النبوية ابن هشام (1/137).

9- النزاع والتخاصم ص 181، الدولة الأموية شاهين ص 122 .

10- الدولة الأموية المفترى عليها ص 122 .

11- تاريخ ابن خلدون (3/2) .

12- البداية والنهاية (8/138) .

13- الدولة الأموية المفترى عليها ص 123 .

14- العالم الإسلامي في العصر الأموي ص 2 .

15- المصدر نفسه ص 5 .

16- المناهج الإسلامية لدراسة التاريخ د. محمد رشاد خليل ص 24 .

17- السيرة النبوية لابن هشام (2/64 ـ 65) ، والسيرة للصَّلابي (1/404) .

18- السيرة النبوية لابن هشام (2/219) ، الدولة الأموية شاهين ص 125 .

19- أنساب الأشراف (1/130 ـ 131) .

20- السيرة النبوية ابن هشام (1/339) .

21- السيرة النبوية ابن هشام (2/183) .

22- تاريخ الطبري (2/465 ـ 466) .

23- المصدر السابق (2/462) .

24- في اختصار المغازي والسير ، لابن عبد البر ص 44 .

25- زاد المعاد (2/46) السيرة النبوية لابن هشام (1/256) .

26- السيرة النبوية لابن هشام (4/12) .

27- الدولة الأموية المفترى عليها ص 127 .

28- السيرة النبوية ابن هشام (3/70 ـ 71) .

29- البخاري ، رقم 3687 ، 3856 .

30- السيرة النبوية لابن هشام (2/212) .

31- الدولة الأموية المفترى عليها ص 127 .

32- السيرة النبوية (1/292 ـ 293) .

33- السيرة النبوية ابن هشام (1/260) .

34- تاريخ الطبري (2/318) .

35- السيرة النبوية ابن هشام (1/263) .

36- المصدر نفسه (1/262) .

37- المصدر نفسه (1/315) .

38- نسب قريش ص 104 ـ 105 .

39- تبيين في أنساب القرشيين ص 209 .

40- الشيعة وأهل البيت ص 141 .
[/b]

________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty رد: التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:51
معركة بلاط الشهداء



تولى عبد الرحمن بن عبدالله الغافقي إمرة الأندلس زمن الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك سنة 112هـ ، فطاف الأقاليم ينظر في المظالم ، ويقتص للضعفاء ، ويعزل الـولاة الذين حادوا عن جادة الطريق ، ويستبدل بهم ولاة معروفين بالزهد والعدل ، ويتأهـب للجهاد ، ودعا المسلمين من اليمن والشام ومصر وإفريقية لمناصرته فجاؤوا وازدحمت بهم قرطبة .


وجمع الغافقي المجاهدين في مدينة
بنبلونة ، وخرج باحتفال مهيب ليعبر جبال البرانس شمال أسبانيا ، واتجه
شرقاً جنوب فرنسا فأخضع مدينة أرل ، ثم اتجه إلى دوقية أقطانيا فانتصـر
عـلى الدوق أودو انتصـاراً حاسماً ، وتقهقر الدوق ، واستنجـد بشارل مارتل ،
حاجـب قصـر الميروفنجيين حكام الفرنجة وصاحب الأمر والنهي في دولة
الفرنجة ، وكان يسمى المطرقة ، فلبى النداء ، وكان قبلها لا يحفل بتحركات
المسلمين جنوب فرنسا بسبب الخلاف الذي بينه وبين دوق أقطـانيا الذي كان
سببه طـمع شارل بالدوقية ، وبذلك توحـدت قوى النصرانية في فرنسا .

واجتمع الفرنجة إلى شارل مارتل وقالوا له : ماهذا الخزي الباقي في الأعقاب ،كنا نسمع بالعرب ونخافهم من مطلع الشمس حتى أتوا من مغربها ، واستولوا على بـلاد الأندلـس وعـظيم ما فيها من العدة والعـدد ، بجمعهم القليل وقلة عدتهم وكونهـم لا دروع لهم ، فأجابهم : الرأي عندي ألا تعترضوهم في خرجتهم هذه فإنهم كالسيل يحمل ما يصادفه ، وهم في إقبال أمرهم ، ولهم نيات تغني عن حصـانة الدروع ، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم ، ويتخذوا المساكن ، ويتنافسوا في الرئاسة ، ويستعين بعضهم على بعض فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر .

وأنهى شارل حروبه مع السكسون والبافاريين ، وتنبه لفتوح المسلمين ، وأما الغافقي فقد مضى في طريقه متتبعاً مجرى نهر الجارون ففتح بردال ، واندفع شمالاً ووصل إلى مدينة بواتييه .

وكانت المعركة في مدينة
بواتييه جنوب فرنسـا ، على مسافة عشرين كيلومتراً منها ، وتسمى المعركة :
البلاط ، بلاط الشهداء ، تور ، بواتييه . والمقصود بالبلاط القصر أو الحصن ،
ولعل مكان الموقعة كان بجوار قصر أو حصن كبير .

موازين القوى :

1-
عدد الجيش الفرنجيّ أكبر من جيش المسلمين ، فهم سيل من الجند المتدفق ،
ولم يكن الجيش المسلم يزيد عن سبعين ألفاً ، وقد يصل إلى مائة ألف .

2- موقف الفرنجة الاستراتيجي أفضل وأجود ؛ لمعرفتهم بالموقع ، والقدرة على القتال في جو شات مطير وأرض موحلة .

3- الفرنجة مددهم البشري والتمويني قريب ، بينما المسلمون على بعد يجاوز ألف كيلومتر عن عاصمة الأندلس .

4- الغنائم التي حملها الجيش الإسلامي مما غنموه في المعارك السابقة ، فقد كانت سبباً مهماً في الخسارة كما سيأتي ، ولو أنهم تركوها في برشلونة مثلاً لاطمأنت نفوسهم وخلت أيديهم للعمل المقبل ، ولكنهم حرصوا عليها وانقلبت عليهم ثقلاً يرهقهم ويضعف حركتهم .


والتقى الجمعان في أواخر شعبان سنة 114هـ ، ورابط كل منهما أمام الآخر ثمانية أيام ، وكان المسلمون هم الذين بدأوا القتال ، ولم يشتبك الجيشان في المعركة إلا بعد بضعة أيام ظلا خلالها يتناوشان في اشتباكات محلية ، ثم اشتبكا بعد ذلك في قتال عنيف ، واجتهد الفرنجة ومن معهم من الألمان والسويف والسكسون في اختراق
خطوط المسلمين يومين متتاليين دون نتيجة ، وقد بذلوا أقصى ما استطاعوا من
جهد وهجم مشاتهم وفرسانهم على المسلمين هجوماً عنيفاً بالحراب ، ولكن
المسلمين ثبتوا ، بل بدا قرب مساء اليوم الثاني أن المسلمين أخذوا يتفوقون
على عدوهم ، ثم حدث بعد ذلك أن اندفعت فرقـة من فرسـان الفرنجة فاخترقت
صفوف المسلمين في موضع
، وأفضت إلى خلف الصفوف حيث كان المسلمون قد أودعوا غنائمهم ، وكانت شيئاً
عظيماً جداً ، فريع الجند الإسلامي ، وخشي الكثيـرون من أفراده أن يستولي
عليها هؤلاء الفرنجة ، فالتفت بعضهم وعادوا إلى الخلف ليبعدوا عنها
الأعـداء ، وهنا اضطربت صفوف المسلمين واتسعت الثغرة التي نفـذ منها
الفرنجة ، فاندفعوا فيها في عنف
وقوة زلزلت نظام القوات الإسلامية ، وحاول عبد الرحمن الغافقي أن يثبت
جنوده ويعيد نظامه أو يصرفه عن الهلع على الغنائم فلم يوفق ، وأصابه سهم
أودى بحياته ، وصبر المسلمون حتى أقبل الليل فانتهـزوا فرصة الظـلام
وتسللوا متراجعين إلى الجنوب على عجل ، وكل ذلك أوائل شهر رمضان سنة 114هـ .

وحينما
أسفر الصبح نهض الفرنجة فلم يجدوا من المسلمين أحداً ، فتقدموا على حذر من
مضارب المسلمين فإذا هي خالية منهم ، وقد فاضـت بالغنائم والأسلاب
والخيرات ، فظنوا أن في الأمر خدعة ، وتريثـوا قبل أن يجتاحوا المعسكر وينتهبوا مافيه ، ولم يفكر أحد منهم في تتبع
المسلمين ؛ إما لأنهم خافوا أن يكون المسلمون قد نصبوا لهم بهذا الانسحاب
شركاً ، أو لأن شارل مارتل تبين مانزل بالمسلمين فرأى أنه يستطيع العودة
إلى الشمال مطمئناً إلى أنهم انصرفوا عنه وعن بلاده ، واندفع المسلمون في تراجعهم نحو الجنوب مسرعين ، واتجهت جموعهم نحو أربونة ، وحينما أحسوا أن أحداً من النصارى لا يتتبعهم تمهلوا في سيرهم ليستجمعوا صفوفهم من جديد .

وهكذا انتهت المعركة ، ولو انتصر فيها المسلمون لتخلصت أوروبا من ظلماتها وجهالتها واستبدادها وحطمت الاستغلال والاضطهاد ، ولذا قال جيبون : لو انتصر العرب في تور _ بواتييه لتلي القرآن وفسر في اكسفور وكمبردج .

وما
إن وصل الخبر إلى الخليفة الأموي حتى أمر والي إفريقية بإرسال مدد بقيادة
عبد الملك بن قطن الفهري ، وأمره الخليفة بغزو فرنسا ، وتوجه عبد الملك إلى
نواحي شمال الأندلس وحصن المعاقل التي بأيدي المسلمين ، وبقي أهالي جنوب
فرنسا يكرهون الفرنجة رغم انتصارهم على المسلمين ، وتحالفَ بعض أمراء جنوب
فرنسا مع المسلمين ضد الفرنجة ؛ وذلك كرهاً للهمجية البربرية في شارل وجيشه ، ولكن بلاط الشهداء كانت آخر محاولة جدية قام بها المسلمون لغزو بلاد الفرنجة .

ولو انتصر المسلمون في هذه المعركة لدخلوا أوروبا فاتحين منظمين ، يريدون إدخالها في رحاب دولتهم وتحويلها إلى الإسلام ، ولو استقر لهم الأمر في فرنسا لاتجه نظرهم إلى ما وراءها ، ومن هنا كانت أهمية بلاط الشهداء في تاريخ النصرانية فقد حالت بينهـا وبيـن الزوال .


________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28261
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 1393418480781

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 140

التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية Empty رد: التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية

الثلاثاء 07 فبراير 2012, 20:53
أسباب سقوط الدولة الأموية



بقلم / راغب السرجاني
قال الله تعالى: "قُلِ
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
"..{آل عمران:26}.

حقًا..
لكل أمة أجل، ولكل أجل كتاب.. والمُلك بيد الله تعالى.. يقلب الليل
والنهار، فيعزُّ من يشاء بتوفيقه، ويذل من يشاء بخذلانه.. ويرفع من يشاء
بقدرته، ويخفض من يشاء بحكمته.

ومن
حكمة الله أنه إذا جَارَ الملوك على الرعية، فجار القوي على الضعيف، ولم
يؤخذ للمظلوم حقه من ظالمه سلط الله على الملوك من يفعل بهم كفعلهم
برعاياهم وضعفائهم سواء بسواء.. وهذه سُنَّةُ الله تعالى منذ قامت الدنيا
إلى أن تزول..

فلما قدَّر الله وشاء زوال ملك بني أمية.. هيَّأ لذلك أسبابه، وإذا قدَّر الله أمرًا فلا مردَّ له، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا..
اختلفت
كلمة بني أمية، وسارع الناس واجتمعوا على الخليفة العباسي فكان انقراض ملك
بني أمية، وبدأ مُلك بني العباس.. ولكن يبقى التساؤل: ما جوانب التقصير
التي طرأت على الأمويين فأدت إلى زوال دولتهم؟

وعندما
ننظر إلى حقبة الخلافة الأموية نجد أن جميع خلفائهم من لدن معاوية ـ رضي
الله عنه ـ إلى آخرهم.. لم يتجاوزوا أربعة عشرة رجلاً..

وعندما نستعرض سير وأدوار حياتهم نجد عدة أسباب اجتمعت عندهم كانت هي الأسباب الحقيقية لسقوط دولة بني أمية وزوال عزهم ومجدهم..
فسقوط
دولة الخلافة الأموية هو أمر طبيعي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدول
كالأفراد والكائنات الحية تمر في أدوار ومراحل مختلفة من نمو وقوة وضعف ثم
فناء، وإنما كل دولة تُذكر بمآثرها وبما تتركه من آثار إيجابية..

ومما لا شك فيه أن هذه الدولة الأموية تركت مآثر جليلة تُذكر لها منها:
أنها
زادت في مساحة الدولة الإسلامية فامتدت من أواسط آسيا شرقًا إلى المحيط
الأطلسي غربًا، وصبغت هذه المساحة الشاسعة من الأراضي بالصبغة العربية عن
طريق تشجيع هجرة القبائل من الجزيرة العربية إلى البلاد المفتوحة حيث
استقرت واختلطت بالسكان المحليين، فنتج عن هذا الانتشار العربي نشر اللغة
العربية في أنحاء البلاد المفتوحة باعتبارها لغة القرآن ، وكان من عوامل
انتشار العربية تعريب الدواوين وضرب النقود العربية الإسلامية..

كما اهتمت بتدوين الحديث النبوي الشريف الذي بدأ في عهد عمر بن عبد العزيز الأمر الذي ساعد على انتشار اللغة العربية بين المسلمين على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم..
هذا وقد سُئِلَ بعضُ شيوخ بني أمية ومحصِّليها عقب زوال الملك عنهم إلى بني العباس: "ما كان سبب زوال ملككم؟
قال:
إنا شُغِلْنا بلذاتنا عن تفقُّدِ ما كان تفقدُه يلزمنا فظلمنا رعيتنا
فيئسوا من إنصافنا، وتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فتخلَّوا
عنا، وخرُبت ضياعُنا فخَلَتْ بيوتُ أموالنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا
مرافقهم على منافعنا ، وأمضوا أمورًا دوننا أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء
جندنا فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم أعادينا فتضافروا معهم على حربنا،
وطلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الأخبار عنا من
أَوْكَد أسباب زوال ملكنا"..

الواضح أن التماسك كان لا يزال باديًا على دولة الخلافة الأموية حتى عهد هشام بن عبد الملك،
فقد أضاع الأمويون بعد وفاته في عام 125هـ / 743م كل شيء بعدما فقدوا
تماسكهم، وكان عهد الوليد الثاني وما اكتنفه من عبث.. إلى جانب الحروب
الأهلية التي حدثت بعد مقتله... كل ذلك ساعد في تحطيم ما كان من هيبة
للأمويين في قلوب الناس..

وعلى
الرغم من أن مروان الثاني كان مقاتلاً شجاعً ، وقائدًا ممتازًا.. إلا أن
فرص الإصلاح كانت قد تبدَّدت ، ولم يستطع لمّ شعث الأمويين.. فتفرقوا وذهبت
ريحهم..

ويبدو
أن لهذا الانحلال الذي سرى في جسم الدولة أسبابًا خاصة ترجع إلى الظروف
التي قامت في ظلها، وإلى الآثار الدينية والمعنوية التي أثارتها السياسة
الأموية بالإضافة إلى أسباب عامة تكمن في التطورات السياسية والاجتماعية
والاقتصادية التي برزت نتيجة التوسع في الفتوحات والاحتكاكات مع الشعوب
المجاورة عسكريًا وحضاريًا..

والواقع
أن سقوط دولة الخلافة الأموية لا يمكن أن يُعزَى إلى حادث منفرد؛ فلا بد
أن تكون هناك جملة أسباب أدت إلى هذه النهاية المحتومة كان من بينها:

تولية العهد لاثنين في وقت واحد!! :
من
الأسباب التي أضعفت البيت الأموي وآذَنَتْ بذهاب ريحه تولية العهد لاثنين
يلي أحدهما الآخر.. ويبدو أن ما دفع بعض الخلفاء أن يسلكوا هذا المسلك لم
يكن إلا تفاديًا لنشوب الحروب الأهلية بعد وفاة الخليفة!.. وقد بذر هذا
النهج بذور الشقاق والمنافسة بين أفراد ذلك البيت ، وأورثهم الحقد والبغضاء
، ولا غرو.. فما كان يتم الأمر لأول الأميرين حتى يعمل على إقصاء الثاني
من ولاية العهد ، بل تعداهم إلى القواد والعمال.. فإنه لم يكد يتم الأمر
لثانيهما حتى ينكل بمن ظاهر خصمه، وساعده على إقصائه من ولاية العهد..

وأول من سَنَّ هذه السنة مروان بن الحكم ، فقد ولى عهده ابنيه عبد الملك ثم عبد العزيز، ولم يأبه بما كان في مؤتمر الجابية حيث بايعوا عبد الملك ثم خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد بن العاص ، وكان من أثر ذلك أن خرج عمر بن سعيد على عبد الملك..
سار عبد الملك على سنة أبيه مروان، فقد فكر في خلع أخيه عبد العزيز من ولاة العهد وتولية ابنيه الوليد ثم سليمان، إلا أن وفاة عبد العزيز
دون ما كانت تحدثه به نفسه من خلعه، ولم يمنعه ذلك من ارتكاب تلك الغلطة
التي أورثت البغض والعداوة بين الأخوين، بل تعدتهما إلى القواد والعمال ،
فإن الوليد بن عبد الملك لما ولي الخلافة عمل على خلع أخيه سليمان من ولايته للعهد وجعلها في ابنه عبد العزيز،
وكتب بذلك إلى العمال فأجابه الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق، وقتيبة
بن مسلم والي خراسان، ومحمد بن القاسم والي السند، وأجزل الوليد العطاء
للشعراء للإشادة بفضل عبد العزيز
مما أثار روح الكراهية والبغضاء بينه وبين أخيه، فلما ولى سليمان الخلافة
بعد وفاة أخيه الوليد انتقم ممن كان لهم يد في خلعه..

وهكذا
تطورت المنافسة بين أفراد البيت المالك تطورًا غريبًا ، وأضحت خطرًا على
الدولة الأموية ، فقد كان الخليفة ينتقم من القواد والعمال لمجرد اتهامهم
بممالأة الخليفة السابق على خلعه..

هكذا
بدأ سليمان عهده بالانتقام من كبار القواد وخيرة العمال والتشفي منهم،
وكان من حسن حظ الحجاج أن مات قبل الوليد. على أن ذلك لم يصرف سليمان عن
الانتقام من أهل بيته ، فقد أمر يزيد بن المهلب وكان عدو الحجاج الألد،
وصالح بن عبد الرحمن أن
يذيقا آل الحجاج أشد صنوف العذاب، كذلك انتقم سليمان من محمد بن القاسم
ذلك القائد العظيم الذي بسط نفوذ الدولة على الهند والسند، وكذلك كان نصيب
قتيبة بن مسلم الذي بسط نفوذ الدولة في بلاد ما وراء النهر..

ظهور روح العصبية:
ظهرت
روح العصبية بين القبائل العربية عقب وفاة يزيد بن معاوية غير أنها لم تكن
من الشدة بحيث تؤثر في انحلال الحزب الأموي الذي ظل حافظًا لكيانه كحزب
سياسي يناضل خصومه من الأحزاب الأخرى إلى أن كانت خلافة عمر بن عبد العزيز
التي تعتبر فترة انتقال بين حال القوة والتماسك وحال الضعف والتفكك الذي
اعترى ذلك الحزب ، فقد كان عمر صالحًا عادلاً قضى فترة خلافته في إصلاح ما
أفسده من سبقه من خلفاء بني أمية حتى نال رضاه جميع العناصر الثورية ، فلم
يتعصب لقبيلة دون أخرى ، ولم يوِّل واليًا إلا لكفايته وعدالته، سواء أكان
من كلب أو من قيس، فسكنت في عهده الفتن التي كانت تنتاب الدولة وتكاد أن
تذهب بريحها..

فلما توفى عمر بن عبد العزيز خلفه يزيد بن عبد الملك،
فاستقبل بخلافته فتنة كان لها أسوأ الأثر في حزب بني أمية، وكانت هذه
الفتنة في الواقع نزاعًا بين عرب الشمال وعرب الجنوب أو بين مضر واليمن،
ولما كان الخليفة من عرب الشمال لم يتورع عن خوض غمار تلك الفتنة..

وكانت هذه الفتنة سببًا في القضاء على أفراد بيت المهلب بن أبي صفرة، فقد قُتِلَ بعضُهم في الحرب، وحمل بعضهم في الأغلال إلى يزيد بن عبد الملك فأمر بهم فقتلوا جميعًا..
وقد
أخلصت أسرة المهلب في خدمة بني أمية، فأبلى هو وأبناؤه في حرب الأزارقة من
الخوارج بلاءً حسنًا، كما حارب أهل خراسان والخزر والترك، وخلفه أبناؤه
فكانوا مثله في الشجاعة والنُّبل والفضل ، فمدحهم الشعراء ، وتغنَّى بفضلهم
الركبان، وقصدهم الشعراء وذوو الحاجات، فأجزلوا لهم العطاء، ووصلوهم
بالصلات الجمَّة، فعظم أمرهم ، وبعد صيتهم ، ونبه شأنهم ، فكانوا غُرَّة في
جبين الدولة الأموية ، كما كان البرامكة في دولة بني العباس؛ لذلك لا ندهش
إذا انحاز إليهم العنصر اليمني الذي أصبح منذ ذلك الحين خطرًا يهدد كيان
حزب بني أمية، وقد زَجَّ يزيد بنفسه في تلك العصبية التي عادت سيرتها
الأولى يوم مرج راهط، وأخذ الخلفاء يعملون على توسيع مسافة الخلاف بين هذين
العنصرين اللذين كانا عصب دولتهم ومصدر قوتهم، فنراهم ينضمون إلى القيسية
حينًا وإلى اليمنية حينًا آخر..

كان
طبيعيًا بعد هذه الحاثة أن يأخذ يزيد جانب القيسيين، فولَّى أخاه مسلمة
-الذي قضى على ثورة يزيد بن المهلب- على المشرق، ثم ولى عمر بن هبيرة وهو
قيسي واصطبغت الدولة كلها بالصبغة القيسية المضرية ، وأصبح العنصر اليمني
ضعيفًا لا يملك من الأمر شيئًا..

ولما توفي يزيد بن عبد الملك
وخلفه أخوه هشام، رأى أن القيسية قد علت كلمته، فخاف ازدياد نفوذها على
الدولة، فعمل على التخلص منهم والانحياز إلى اليمنية ليعيد التوازن بين
العنصرين: اليمني والقيسي، فعزل العمال المضريين وولى مكانهم بعض اليمنين؛
فولى خالد بن عبد الله
القسري على العراق، وولى أخاه أسدًا على خراسان؛ وبذلك أخذ العنصر اليمني
يستعيد قوته ، وأخذ العنصر القيسي في الضعف، وتعصب خالد وأخوه لليمنية
فأخذوا ينتقمون من المضريين..

على
أن هشامًا لم يتبع سياسة ثابتة بإزاء القبائل المختلفة، فإنه بعد أن انحاز
إلى جانب اليمنيين لم يلبث أن تحول عنهم إلى المضريين وولى منهم العمال؛
فولى يوسف بن عمر الثقفي العراق، ونصر بن يسار خراسان، وكذلك فعل في بلاد
الأندلس..

وكان مقتل خالد بن عبد الله
القسري زعيم اليمنية من أقوى الأسباب التي عجَّلت بسقوط حزب بني أمية، فإن
اليمنية الذين لم ينسوا للدولة قضاءها على آل المهلب فُوجِئوا بقتل زعيمهم
خالد بن عبد الله
لاتهامه بممالأة العلويين وإغداقه عليهم حتى خرج زيد بن علي زين العابدين،
كما اتهم بالزندقة والإلحاد فعادت القلاقل سيرتها الأولى، وعمل اليمنية
على التخلص من سيادة الأمويين..

ولزم الوليد بن يزيد بن عبد الملك
جانب المضريين لأن أمه كانت منهم ، وأقصى العنصر اليمني، فأثار ذلك عوامل
السخط والغضب في نفوس اليمنية عليه بعد أن قتل زعيمهم وأقصاهم من مناصب
الدولة؛ فأخذوا يدبرون المكائد لقتله وسخط عليه عامة الناس، فانتهز
اليمنيون هذه الفرصة وثاروا عليه، وانضم إليهم يزيد بن الوليد بن عبد الملك الذي كان يُظهِر التنسك والتواضع، فقتلوه في جمادى الآخرة 126هـ وبايعوا يزيد..

ولم
يضع قتل الوليد حدًا للنزاع الذي قام بين أفراد البيت الأموي ، وظهر بين
العنصرين اليمني والمضري ، بل ساعد على تفاقم ذلك النزاع؛ فإن يزيد لم يكد
يعتلي عرش الخلافة حتى أخذ بسيرة أسلافه فانضم إلى اليمنيين ولزم جانبهم،
وأخذ يولي العمال منهم لأنهم ساعدوه على الوصول إلى الخلافة..

وأطلق
اليمنيون يدهم في الإساءة إلى المضريين الذين ثارت ثائرتهم، فأشعلوا نار
الثورة في حمص، وانضم إليهم يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية وغيره من أفراد
البيت الأموي، كما ثاروا في فلسطين بزعامة يزيد بن سليمان بن عبد الملك، وحذا أهل الأردن حذوهم بزعامة محمد بن عبد الملك
، غير أن يزيد بن الوليد استطاع بمساعدة اليمنيين أن يتغلب على هؤلاء
جميعًا فأخضعهم ، وزج بزعمائهم من أهل بيته في أعماق السجون..

ثم
توفي يزيد بعد أن حكم ستة أشهر (126 هـ) فولي الخلافة بعده أخوه إبراهيم،
وكان يزيد قد عهد إليه بالخلافة التي فقدت ما كان لها من هيبة في نفوس
المسلمين، ولم يلقَ إبراهيم الاحترام الذي كان لمن سبقه من الخلفاء ، حتى
كان الناس يسلمون عليه بالخلافة تارة وبالإمارة تارة أخرى، وطورًا لا
يسلمون عليه بواحدة منهما..

سار
مروان بجنوده من الجزيرة يريد الشام مطالبًا بدم الوليد بن يزيد، وتظاهر
بعزمه على إعادة الخلافة إلى ابنه إبراهيم وسرعان ما انضمت إليه القيسية
لمناهضة اليمنية التي دبرت مؤامرة لقتل الوليد، فأخذ إبراهيم يحشد الجيوش
لقتال مروان بن محمد عامل الجزيرة وأرمينية ، ولكن مروان كان قائدًا شجاعًا
حنكته الحروب مع الخزر والترك فاستطاع أن يتغلب على جنود إبراهيم ، وهزمهم
شر هزيمة ودخل الشام ، وفرَّ إبراهيم وكثير من أنصاره..

وكان
مروان يريد أن تكون الخلافة في وَلَدِ الوليد، ولكن اليمنيين عمدوا إلى
ابني الوليد فقتلوهما في السجن خوفًا من أن يليا الخلافة فيقتصا منهم، وشهد
محمد السفياني بأنهما جعلا الخلافة من بعدهما لمروان، ثم قال السفياني
لمروان: ابسط يدك أبايعك، فبايعه وتبعه أهل الشام، وبذلك أصبح مروان خليفة
المسلمين عام 127 هـ وفي عهده ثارت روح العصبية في جميع أنحاء الدولة
الأموية ، وتقوَّض بناء البيت الأموي وأَشْرَفَ على الزوال.

على أن مروان سار سيرة سلفه فتعصب للقيسية ، وطالب اليمنية بدم الوليد الذي قتلوه انتقامًا لخالد بن عبد الله
القسري فانتفض أهل حمص بزعامة ثابت بن نعيم ، وانضم إليهم أهل تدمر برئاسة
الأصبغ بن ذؤالة الكلبي غير أن مروان استطاع أن يتغلب عليهم ويهزمهم ؛
فأرسل مروان جيشًا أحلَّ بهم الهزيمة وقتل يزيد؛ فخلصت له دمشق ، وحذت
اليمنية حذوهم في فلسطين، فأرسل إليهم مروان جيشًا قضى عليهم..

ولم يكد الأمر يستتب لمروان في بلاد الشام حتى خرج عليه بها سليمان بن هشام بن عبد الملك،
ودعا أهلها إلى خلعه فانضمت إليه اليمنية فسار إليه مروان وهزمه بعد حروب
طويلة، وفرَّ سليمان إلى العراق وانضم إلى الخوارج لمناوأة مروان، كما انضم
إليه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز..

هذه
هي حال العصبية في الشام وقد ساعد على قيام الثورة فيها أن أكثر أهلها
كانوا من العنصر اليمني، وربما كان ذلك هو السبب الذي حدا مروان إلى عدم
اتخاذها مقرًا لملكه، والانتقال إلى الجزيرة حيث أقامت القيسية الذين كانوا
عماد دولته..

وأما
بلاد العراق فإن الحالة لم تكن فيها أحسن مما كانت عليه في بلاد الشام ،
فقد اشتعلت نار العصبية في هذه البلاد حتى ظهر الضحاك بن قيس الخارجي الذي
استولى عليها، كما استولى فريق من الخوارج على بلاد اليمن والحجاز بقيادة المختار بن أبي عبيدة..

وهكذا
أصبحت البلاد مرتعًا للفتن والاضطرابات، وشغل إخمادُ هذه الفتن مروانَ،
فلم يلتفت إلى خراسان وما كان يجري فيها من بثِّّ الدعوة العباسية التي
اشتد أمرها وعظم خطرها، ولم يلبث أن باغتته الرايات السود من خراسان ،
وطاردته وقضت على جيشه ؛ ففر إلى مصر حيث أدركه عبد الله
بن علي العباسي ثم أخوه صالح بن علي الذي قتله 132 هـ، ويعتبر القضاء على
بني أمية قضاء على نفوذ العرب الذين كان الأمويون يعتمدون عليهم دون
سواهم..

انغماس بعض الخلفاء في الترف:
كان لانصراف بعض خلفاء بني أمية إلى حياة البذخ الترف اللذين أخذوهما عن البلاط البيزنطي أثر كبير في سقوط دولتهم، فقد اشتهر يزيد بن معاوية بحبه للّهو..
أما يزيد بن عبد الملك
فإنه لم يكن أحسن حالاً من يزيد بن معاوية ، فقد كان كما ذكر البلخي صاحب
كتاب "البدء والتاريخ" صاحب لهو فقد شغف بجارية تسمى حبابة واشتهر بذكرها،
كذلك اشتهر ابنه الوليد باللهو والمجون وكان شاعرًا مجيدًا له أشعار كثيرة
في العتاب والغزل..

تعصب الأمويين للعرب:
كانت
الدولة الأموية دولة عربية لحمًا ودمً، ومن ثَمَّ تعصب الأمويون للعرب
والعروبة، وأخذوا ينظرون إلى الموالي نظرة الاحتقار والازدراء، بما أيقظ
الفتنة بين المسلمين ، وبعث روح الشعوبية في الدولة الإسلامية، وكان منشأ
تلك الحركة اعتقاد العرب أنهم أفضل الأمم ، وأن لغتهم أرقى اللغات..

وإذا
نظرنا إلى حركة الشعوبية ألفيناها حربًا سلمية اشتبكت فيها الألسنة
والأقلام اشتباكًا لا يقل أثرًا عن اشتباك الأسنة والرماح، وترجع هذه
الحركة ـ على ما يظهر ـ إلى الوقت الذي دخل فيه العرب بلاد الفرس وغيرها من
بلاد الأعاجم، ولما جاء الأمويون حملوا لواء هذه الحركة طوال خلافتهم،
وانحازوا إلى العرب ولم يساووا بينهم وبين الموالي، فأجمع هؤلاء أمرهم
وثاروا على الأمويين في عهد عبد الملك بن مروان، فأرسل إليهم الحجاج بن يوسف الثقفي ليقضي على حركاتهم..

ولما ولي عمر بن عبد العزيز
الخلافة أمر عماله بوضع الجزية عمن أسلم سواء كان عربيًا أو غير عربي،
ولقد نجحت سياسته في حياته، ثم تبدلت الحال بعد وفاته، فعاد الأمويون
يفرقون في المعاملة بين العرب والموالي.

فلا
عجب إذا أثارت هذه المعاملة حنق الموالي وسخطهم على الأمويين، وأخذوا
يتلمسون الفرص للإيقاع بهم، فانضموا إلى المختار ثم إلى الخوارج ، واشتركوا
في فتنة عبد الرحمن بن
الأشعث ، كما ثاروا مع يزيد بن المهلب للقضاء على هذه الدولة، فلما نشط
دعاة العباسين انضموا إلى الدعوة العباسية لينالوا حقوقهم المهضومة، وقد
فطن العباسيون إلى ما كان يضمره الموالي لبني أمية ودولتهم من كراهة
فاستعانوا بهم في نشر الدعوة لهم..

انقلاب الخلافة الإسلامية إلى الملك العضوض:
فبعد
أن كان الخليفة يُختار من مجموع المسلمين أو من أهل الحل والعقد بعد توافر
عدة كفاءات به، وعلى رأسها الجانب الديني من التقي والصلاح، أصبحت الخلافة
ملكًا يرثه الابن من أبيه، والأخ من أخيه، ومن استطاع الغلبة..

تخلِّي خلفاء بني أمية عن القيادة الدينية:
كان من صميم عمل الخليفة الحج بالناس والإمامة في الأعياد والجمع والصلوات إلا إذا طرأت له الأعذار من مرض أو نحوه..
وهذه
القيادة الدينية كانت تقرب الخليفة من الرعية، وتشعرهم بقربه منهم، وحرصه
على سلامة دينهم، وتقرب طائفة العلماء والزُّهَّاد من الخليفة فتصلح الدنيا
والدين معًا..

فكان
خلفاء بني أمية في بدء عهدهم يَؤُمُّون الناس، فخلف من بعدهم من أخَّر في
إقامة الصلوات، ثم ازداد الأمر سوءًا عندما تخلى الخلفاء عن القيادة
الدينية وأنابوا عنهم الولاة والأمراء..

ويتمثل
المنصب الديني ـ أيضًا ـ في القيام بدور القضاء، والفصل بين الناس في
الخصومات، وكان خلفاء بني أمية يباشرونه بأنفسهم في بدء خلافتهم، ولا
يجعلونه إلى أحد سواهم ، إلا إذا شغلوا بجهاد أو نحوه من الأمور العظام..

فلما طال الزمان ترك الخلفاء القضاء للأمراء، والذين بدورهم أنابوا غيرهم، مما أضعف من شخصية الخليفة في أعين الرأي العام..
بغض الكثيرين من الرعية لبني أمية:
وقع
بعض خلفاء بني أمية في بعض الأخطاء القاتلة التي جلبت لهم سخط الكثيرين من
الرعية من أمثلة ذلك: موقف يزيد بن معاوية من الحسين ـ رضي الله عنه ـ وما
نشأ عنه من قتل الحسين، وموقف عبد الملك بن مروان من آل الزبير، وقتاله لعبد الله ومصعب ابني الزبير حتى قتلا..

فقد
ظهرت الشيعة وغيرها واجتمعوا على مناوأة الأمويين، والكيد لهم، وليس خروج
المختار وتتبعه لقَتَلَة الحسين ـ رضي الله عنه ـ وقتلهم شر قلة إلا مثلاً
من تلك الأمثلة على تغلغل الشعور بالبغض والسخط في قلوب الكثيرين من
الرعية..

تأخر رواتب الجند في بعض الأحيان:
الجندي
ما هو إلا سلاح الحاكم ضد الخارجين على الشريعة، والدرع الواقي للدولة
الإسلامية ضد أعدائها فإن أُعطِيَ ما له من عطاء كانت طاعته حاضرة، وإذا
العطاء مُنِعَ تذمر وتخاذل، وتواطأ وتأمر..

وهذا
ما حدث بالفعل في عهد بعض خلفاء بني أمية، وعلى الخصوص في أواخر عهدهم في
خلافة مروان بن محمد حيث قلَّت الأموال، وتوقف الكثير من الأقاليم عن إرسال
الأموال إلى دار الخلافة لسقوط تلك الأقاليم تحت راية الخوارج، وقد سُئِلَ
شيخ من شيوخ بني أمية بعد زوال دولتهم عن أسباب زوال ملكهم فقال:....
وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم عدونا فظاهروه على حربنا"..

النزاع بين أبناء البيت الأموي:
كان
الملك موضع حديث بين أبناء البيت الأموي منذ زمن طويل، فقد شكت رملة بنت
معاوية بن أبي سفيان إلى أبيها ما دار من حديث بين مروان بن الحكم وزوجها
عمرو بن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عندما جاء مروان يعوده من مرض
ألمَّ به، ومنه أن مروان قال لعمرو: "إنما ولي معاوية الخلافة بذكر أبيك،
فما يمنعك من النهوض لطلب حقك فنحن أكثر من آل حرب عددًا".. وما زال مروان
يَعُدُّ فضلَ (كثرة وزيادة) رجال بني أبي العاص-قوم مروان وعمرو-على بني
حرب-قوم معاوية-حتى تمنت رملة أن ولديها عثمان وخالدًا من عمرو بن عثمان
ماتا..

فكان
معاوية ـ رضي الله عنه ـ يستعين بمروان بن الحكم وسعيد بن العاص في
الولاية على الحجاز دون غيرها لما يراه من طموحهما وتطلعهما إلى الخلافة،
يداول ويغري بينهما في الولاية ليأمن مكرهما، ولم يحتج معاوية ـ رضي الله
عنه ـ في مدافعته إياهم عن الملك إلى امتشاق السيف وظل بنو حرب يتقدمون بني
أمية في قيادة الأمة حتى خلا منصب الخلافة منهم عام 64هـ، فاختار أهل الحل
والعقد من أهل الشام مروان بن الحكم خليفة بإزاء عبد الله
بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ الذي بويع له بالخلافة خارج الشام، وقدموا
مروان على خالد بن يزيد بن معاوية الذي كان صغيرًا، وهكذا خرجت الخلافة من
آل أبي سفيان بن حرب إلى بني مروان بن الحكم من غير أن تُراقَ قطرة دم، ولم
يقم آل أبي سفيان بمغالبة المروانيين على الملك، ولعلهم رضوا من الخلافة
بحظهم الفائت منها بعد ما رأوا تحول أهل الشام عنهم إلى المروانيين..

وثار عمرو بن سعيد بن العاص الملقب بالأشدق، وأغلق دمشق في وجه عبد الملك بن مروان ، ولكن عبد الملك نجح في السيطرة على الثورة بقتل عمرو بن سعيد ، واستغل خطر عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ في تجاوز هذه الفتنة..
ولم يُهج آل عبد الملك -أثناء حكمهم- أحدًا من بني أمية إلا ما كان من أمر ولاية العهد فقد روي أن عبد الملك بن مروان همّ أن يخلع أخاه عبد العزيز بن مروان ويعقد لابنيه الوليد وسليمان وتردد في ذلك، وكان هناك من ينهاه ومن يشجعه، ولكن موت عبد العزيز أغلق باب الشر..
كما حاول الوليد بن عبد الملك أن يعزل أخاه وولي عهده سليمان ويجعل ابنه عبد العزيز مكانه، وأطاعه بعض رجال دولته، ولكنه لم ينجح..
وحاول هشام بن عبد الملك
أن يعزل ابن أخيه الوليد بن يزيد بتهمة الفسق والمجون ويولي ابنه مكان،ه
ولكنه لم يفلح في ذلك أيضًا وحتى عام 125هـ وهو العام الذي توفي فيه هشام
بن عبد الملك لا نجد المروانيين يبلغ لهم الخلاف على الملك حدَّ النزاع الدموي..

فلما قام الوليد بن يزيد بالخلافة لم يستعمل أحدًا من آل الوليد بن عبد الملك وجفاهم ، واشتد عليهم وعلى بعض بني عمه، ثم جعل الخلافة من بعده في ولديه الحكم وعثمان، فقام آل الوليد بن عبد الملك بالعمل ضده وكان رأسهم في هذا الوجه يزيد بن الوليد بن عبد الملك،
ومعه منهم ثلاثة عشرة رجلاً، ولما بلغ جمع يزيد عسكر الولاية دعوهم إلى
الكتاب والسنة وجعل الأمر شورى، وأخذوا يستميلونهم بالمال والولايات، فضعف
أمر الوليد وقتل..

فثار أهل حمص والأردن وفلسطين الذين دعوا إلى الطلب بدمه وثروا على يزيد رغم إظهار يزيد التنسك وتذرعه بالدين في قتل الوليد..
ولكن
قيام يزيد بقتل ابن عمه الوليد وجلوسه مجلسه في الخلافة، وضع سلطان بني
أمية في قفص الاتهام ورفع عنه أستار المهابة، ودفع بهم إلى السقوط ، وبعد
أن كانت الخلافة تؤخذ بعهد من الخليفة القائم وبيعة الأمة أخذت هذه المرة
بالقوة، وتحركت في مروان بن محمد أمير الجزيرة وأرمينيا وأذربيجان وقائد
جيوش ثغورها أحاسيس الملك والسلطان ، وصار يرنو بنظره إلى دمشق.. فسار
مروان بن محمد من الثغور إلى دمشق، وأظهر أنه يأخذ بثأر الوليد بن يزيد،
ويعيد الخلافة في ولده فآزره أهل حمص ثم استوى على كرسي الخلافة، وأبعد بني عبد الملك الذين مضت الخلافة فيهم قرابة ستين عامًا، وهو ما لم يرضه أكثر الناس الذين كانوا حتى مقتل الوليد بن يزيد يوالون بني أمية..

ففي
الشام عارض أهل الغوطة وتدمر وحمص وفلسطين وغيرهم مروان بن محمد، واضطر
مروان لإخضاع من ثار منهم أن يخوض معهم حروبًا قاسية سالت فيها الدماء وقتل
الكثير، وقاد بعض فصولها ضده بعض بني عبد الملك بن مروان مثل: سليمان بن هشام بن عبد الملك، وبعد صراع مرير امتد نحو ثلاث سنين خرج مروان منه منتصرًا على خصومه ومخالفيه وبدت الأمور منقادة له، كشفت معركة الزاب أن صف مروان في هذه المعركة لم
يكن موحدًا فقد ظهر التردد والتواكل بين جند مروان ، وبدا السيف وإن صنع
الخضوع والانقياد عاجزًا أن يزرع المحبة والولاء في النفوس، والتضحية
والوفاء والإخلاص في القتال، فهُزِمَ مروان بن محمد وفَرَّ إلى مصر؛ فتتبعه
العباسيون وقتلوه في قرية بوصير بمصر وانتهت بمقتله الخلافة الأموية عام
132 هـ / 750 م وقامت الدولة العباسية..

الخلافات المذهبية:
كان
الخلاف حول موضوع الخلافة أحد الأسباب التي أدت إلى إضعاف الدولة الأموية
ومن ثَمَّ زوالها، والمعرف أنه وجدت في العصر الأموي أربع جماعات في
الميدان السياسي:

الأول: أنصار بني أمية وأغلبيتهم من السنة..
الثانية:
أنصار العلويين من الشيعة الذين حصروا الخلافة في نسل علي بن أبي طالب ،
وقد حملوا لواء المعارضة طيلة العصر الأموي إلا أنهم مُنُوا بالفشل، وقد
أدى فشلهم هذا إلى تحويل حركتهم إلى عقيدة دينية عاطفية شبه باطنية، وأن
يختفوا في المناطق البعيدة عن مركز الخلافة حتى تسنح لهم فرصة الظهور..

الثالثة:
جماعة الخوارج الذين لا يؤمنون بالوراثة كأساس لنظام الحكم ، ولا يرون حصر
الخلافة في جنس معين أو بيت معين، بل يعتقدون أن الخلافة للأمة يكون
الاختيار فيها هو الأساس، كما أعلنوا غضبهم واشمئزازهم من شرور الحكام
ومطامعهم، لهذا كانت هذه الجماعة معارضة للخط الأموي، وقد اشترك أفرادها في
الفتن التي قامت ضد الدولة الأموية، كما انتشر عدد كبير منهم في المناطق
البعيدة عن مركز الخلافة بدمشق..

الرابعة:
جماعة العباسيين الذين دخلوا ميدان السياسة في أواخر العصر الأموي
لينافسوا الأمويين والشيعة معًا، ويبدو أن هؤلاء كانوا أكثر براعة في
دعوتهم وأساليبهم من الشيعة؛ فأقاموا تنظيمًا سريًا انتشر بسرعة في النصف
الشرقي من دولة الخلافة الأموية عن طريق خلاياه السرية..

وقد
أدَّى هذا الخلاف إلى اصطدامات دامية، شغلت جانبًا كبيرًا من نشاطات
الأمويين وأنهكتهم، وكانت تعبيرًا عن استياء أكثر من فئة في المجتمع
الإسلامي من حكمهم، وغدت بعد ذلك عنصرًا مهماً من عناصر المعارضة،
استُغِلَّ اسمُها ليكون الواجهة الدينية للشعارات التي طرحها دعاة بني
العباس..

انتشار الدعوة العباسية:
في
الواقع أن انهماك مروان بن محمد في إخماد الثورات والفتن شغله عن الاهتمام
بما كان يجري في المشرق ، خاصة في خُرَاسان التي كانت مركزًا للدعوة
العباسية، وقد انتشرت في المنطقة انتشارًا واسعًا، واستقامت الأمور فيها
لبني العباس، مما أدى إلى اقتناع الدعاة العباسيين بأن الوقت قد حان للجهر
بها، وفعلاً حصل هؤلاء الدعاة على موافقة إبراهيم الإمام الذي كان يعيش في
الحميمة على الجهر بالدعوة والخروج على الأمويين، وقد تولى أبو مسلم الخراساني الذي أضحى رئيسًا للدعوة في خراسان أخذ البيعة تحت شعار "البيعة على الرضا من آل محمد"..

فالتف
الناس حول الدعوة العباسية ، وسيطر أبو مسلم الخراساني على خُراسَان سيطرة
تامة، ثم دخلت القوات العباسية مدينة الكوفة بقيادة حميد بن قحطبة في شهر
ربيع الأول عام 132 هـ وسلَّم الأمر إلى أبي سلمة الخلال الذي أضحى وزير آل
محمد..

وبويع في الكوفة لعبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
بن عباس المعروف بأبي العباس، وقد كان أخوه إبراهيم الإمام قد عَهِدَ إليه
بأمر الدعوة عندما قضى عليه مروان بن محمد بعدما افتضح أمره ليصبح أول
خليفة عباسي..

وبعد أن تم له الأمر في العراق أرسل جيشًا بقيادة عمه عبد الله بن علي التقى بجيش مروان بن محمد علي نهر الزاب - وهو أحد فروع نهر دجلة - ودارت بين الجيشين الأموي والعباسي رحى معركة عنيفة
في شهر جمادى الآخرة عام 132 هـ / 750م استمرت أحدَ عشرَ يومًا، وانتهت
بهزيمة مروان وفراره إلى قرية بوصير في منطقة الفيوم بمصر، وهناك داهمته في
الليل قوة عسكرية عباسية فقاوم مروان حتى خَرَّ صريعًا ، وانتهت بمقتله
أيام دولة الخلافة الأموية ، وكان ذلك في عام 132 هـ / 750 م وقامت على
أنقاضها دولة الخلافة العباسية.



________________________________________________
التاريخ الإسلامي - الدولة الأموية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى