منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28310
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
تلبيس إبليس - الباب الثاني عشر- تلبيسه على العوام 1393418480781

تلبيس إبليس - الباب الثاني عشر- تلبيسه على العوام 140

تلبيس إبليس - الباب الثاني عشر- تلبيسه على العوام Empty تلبيس إبليس - الباب الثاني عشر- تلبيسه على العوام

السبت 01 أكتوبر 2011, 21:35

تلبيس إبليس

الباب الثاني عشر: في ذكر تلبيس إبليس على العوام.
قد بينا أن إبليس إنما يقوى تلبيسه على قدر قوة الجهل وقد أفتن فيما فتن به العوام وحضر ما فتنهم ولبس عليهم فيه لا يمكن ذكره لكثرته وإنما نذكر من الأمهات ما يستدل به على جنسه والله الموفق فمن ذلك أنه يأتي إلى العامي فيحمله على التفكر في ذات الله عز وجل وصفاته فيتشكك وقد أخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تسألون حتى تقولوا هذا الله خلقنا فمن خلق الله" قال أبو هريرة فوالله اني لجالس يوما إذ قال لي رجل من أهل العراق هذا الله خلقنا فمن خلق الله قال أبو هريرة فجعلت أصبعي في أذني ثم صحت صدق رسول الله الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وباسناد عن عائشة قالت قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ان الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك فيقول من خلق السموات والأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فاذا وجد أحدكم شيئا من ذلك فليقفل آمنت بالله ورسوله" .
قال المصنف رحمه الله: وانما وقعت هذه المحنة لغلبة الحس وهو أنه ما رأى شيئا إلا مفعولا وليقل لهذا العامي ألست تعلم أنه خلق الزمان لا في الزمان والمكان لا في المكان فاذا كانت هذه الأرض وما فيها لا في مكان ولا تحتها شيء وحسك ينفر من هذا لأنه ما ألف شيئا إلا في مكان فلا يطلب بالحس من لا يعرف بالحس وشاور عقلك فانه سليم المشاورة وتارة يلبس إبليس على العوام عند سماع صفات الله عز وجل فيحملونها على مقتضى الحس فيعتقدون التشبيه وتارة يلبس عليهم من جهة العصبية للمذاهب فترى العامي يلاعن ويقاتل في أمر لا يعرف حقيقته فمنهم من يخص بعصبيته أبا بكر رضي الله عنه ومنهم من يخص عليا وكم قد
(1/343)




جرى في هذا من الحروب وقد جرى في هذا بين أهل الكوخ وأهل باب البصرة على مر السنين من القتل وإحراق المحال ما يطول ذكره وترى كثيرا ممن يخاصم في هذا يلبس الحرير ويشرب الخمر ويقتل النفس وأبو بكر وعلي بريئان منهم وقد يحس العامي في نفسه نوع فهم فيسول له إبليس مخاصمة ربه فمنهم من يقول لربه كيف قضى وعاقب ومنهم من يقول لم ضيق رزق المتقي وأوسع على العاصي ومنهم طائفة تشكر على النعم فاذا جاء البلاء أعترض وكفر ومنهم من يقول أي حكمة في هدم هذه الأجساد يعذبها بالفناء بعد بنائها ومنهم من يستبعد البحث ومن هؤلاء من يحتل عليه مقصوده أو يبتلى ببلاء فيكفر ويقول أنا ما أريد أصلي وربما غلب فاجر نصراني مؤمنا فقتله أو ضربه فيقول العوام قد غلب الصليب ولماذا نصلي إذا كان الأمر كذلك وكل هذه الآفات تمكن بها منهم إبليس لبعدهم عن العلم والعلماء فلو أنهم استفهموا أهل العلم لأخبروهم ان الله عز وجل حكيم ومالك فلا يبقى مع هذا اعتراض.

فصل: ومن العوام من يرضى عن عقل نفسه فلا يبالي بمخالفة العلماء فمتى خالفت فتواهم غرضه أخذ يرد عليهم ويقدح فيهم وقد كان ابن عقيل يقول قد عشت هذه السنين فلو أدخلت يدي في صنعة صانع لقال أفسدتها علي فلو قلت أنا رجل عالم لقال بارك الله لك في علمك ليس هذا من شغلك هذا وشغله أمر حسي لو تعاطيته فهمته والذي أنا فيه من الأمور أمر عقلي فإذا أفتيته لم يقبل.
فصل: ومن تلبيسه عليهم تقديمهم المتزهدين على العلماء فلو رأوا جبة صوف على أجهل الناس عظموه خصوصا إذا طأطأ رأسه وتخشع لهم ويقولون أين هذا من فلان العالم ذاك طالب الدنيا وهذا زاهد لا يأكل عنبة ولا رطبة ولا يتزوج قط جهلا منهم بفضل العلم على الزاهد ويثارا للمتزهدين على شريعة محمد بن عبد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن نعمة الله سبحانه وتعالى على هؤلاء أنهم لم يدركوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ لو رأوه يكثر التزويح ويصطفى السبايا ويأكل لحم الدجاج ويحب الحلوى والعسل لم يعظم في صدورهم.
فصل: ومن تلبيسه عليهم قدحهم في العلماء بتناول المباحات وذلك من أقبح الجهل وأكثر ميلهم إلى الغرباء فهم يؤثرون الغريب على أهل بلدهم ممن قد خبروا أمره وعرفوا عقيدته فيميلون إلى الغريب ولعله من الباطنية وإنما ينبغي تسليم النفوس إلى من خبرت معرفته قال الله عز وجل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ومن الله سبحانه في إرسال محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/344)




إلى الخلق بأنهم يعرفون حاله فقال عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وقال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} .
فصل: وقد يخرج بالعوام تعظيم المتزهدين إلى قبول دعاويهم وان خرقوا الشريعة وخرجوا عن حدودها فترى المتنمس يقول للعامي أنت فعلت بالأمس كذا وسيجري عليك كذا فيصدقه ويقول هذا يتكلم على الخاطر ولا يعلم أن إدعاء الغيب كفر ثم يرون من هؤلاء المتنمسين أمورا لا تحل كمؤاخاة النساء والخلوة بهن ولا ينكرن ذلك تسليما لهم أحوالهم.
فصل: ومن تلبيسه على العوام اطلاقهم أنفسهم في المعاصي فاذا وبخوا تكلموا كلام الزنادقة فمنهم من يقول لا أترك نقدا لنسيئة ولو فهموا لعلموا أن هذا ليس بنقد لأنه محرم وإنما يخير بين النقد والنسيئة المباحين فمثلهم كمثل محموم جاهل يأكل العسل فاذا عوتب قال الشهوة نقد والعافية نسيئة ثم لو عملوا حقيقة الإيمان لعلموا أن تلك النسيئة وعد صادق لا يخلف ولو عملوا عمل التجار الذين يخاطرون بكثير من المال لما يرجونه من الربح الليل لعلموا أن ما تركوه قليل وما يرجونه كثير ولو أنهم ميزوا بين ما آثروا وما أفاتوا أنفسهم لرأوا تعجيل ما تعجلوا إذ فاتهم الربح الدائم وأوقعهم في العذاب الذي هو الخسران المبين الذي لا يتلافى ومنهم من يقول الرب كريم والعفو واسع والرجاء من الدين فيسمون تمنيهم واغترارهم رجاء وهذا الذي أهلك عامة المذنبين قال أبو عمرو بن العلاء بلغني أن الفرزدق جلس إلى قوم يتذكرون رحمة الله فكان أوسعهم في الرجاء صدرا فقال له لم تقذف المحصنات فقال أحقروني لو أذنبت إلى ولدي ما أذنبته إلى ربي عز وجل أتراهما كانا يطيبان نفسا أن يقذفاني في تنور مملؤا جمرا قالوا لا إنما كانا يرحمانك قال فأني أوثق برحمة ربي منهما قلت وهذا هو الجهل المحض لأن رحمة الله عز وجل ليست برقة طبع ولو كانت كذلك لما ذبح عصفورا ولا أميت طفل ولا أدخل أحد إلى جهنم وبإسناد عن عباد قال الأصمعي كنت مع أبي نواس بمكة فاذا أنا بغلام أمرد يستلم الحجر الأسود فقال لي أبو نواس والله لا أبرح حتى أقبله عند الحجر الأسود فقلت ويلك أتق الله عز وجل فإنك ببلد حرام وعند بيته الحرام فقال ما منه بد ثم دنا من الحجر فجاء الغلام يستلمه فبادر أبو نواس فوضع خده على خد الغلام فقبله وأنا أنظر فقلت ويلك أفي حرم الله عز وجل فقال دع ذا عنك فإن ربي رحيم ثم أنشد يقول:
وعاشقان التف خداهما ... عند استلام الحجر الأسود
فاشتفيا من غير أن يأثما ... كأنما كانا على موعد
(1/345)




قلت أنظروا إلى هذه الجرأة التي نظر فيها إلى الرحمة ونسي شدة العقاب بانتهاك تلك الحرمة وقد ذكرنا في أول الكتاب هذا أن رجلا زنى بامرأة في الكعبة فمسخا حجرين ولقد دخلوا على أبي نواس في مرض موته فقالوا له تب إلى الله عز وجل فقال أياي تخوفون حدثني حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لكل نبي شفاعة وإني أختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي أفترى لا أكون أنا منهم" .
قال المصنف رحمه الله وخطأ هذا الرجل من وجهين أحدهما أنه نظر إلى جانب الرحمة الله ولم ينظر إلى جانب العقاب والثاني أنه نسي أن الرحمة إنما تكون لتائب كما قال عز وجل: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} وقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} وهذا التلبيس هو الذي هلك عامة العوام وقد كشفناه في ذكر أهل الإباحة.
فصل: ومن العوام من يقول هؤلاء العلماء يحافظون على الحدود فلان يفعل كذا وفلان يفعل كذا فأمري أنا قريب وكشف هذا التلبيس أن الجاهل والعالم في باب التكليف سواء فغلبه الهوى للعالم لا يكون عذرا للجاهل وبعضهم يقول ما قدر ذنبي حتى أعاقب ومن أنا حتى أواخد وذنبي لا يضرة وطاعتي لا تنفعه وعفوه أعظم من جرمي كما قال قائلهم:
من أنا عند الله حتى إذا ... أذنبت لا يغفر لي ذنبي
وهذه حماقة عظيمة كأنهم أعتقدوا أنه لا يؤاخذ إلا ضدا أو ندا ثم ما علموا أنه بالمخالفة قد صاروا في مقام معاند وسمع ابن عقيل رحمه الله رجلا يقول من أنا حتى يعاقبني الله فقال له أنت الذي لو أمات الله جميع الخلائق وبقيت أنت لكان قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} خطابا لك ومنهم من يقول سأتوب واصلح وكم من ساكن الأمل من أبله فأختطفه الموت قبله وليس من الحزم تعجيل الخطأ وانتظار الصواب وربما لم تتهيأ التوبة وربما لم تصح وربما لم تقبل ثم لو قبلت بقي الحياء من الجنابة أبدا فمرارة خاطر المعصية حتى تذهب أسهل من معاناة التوبة حتى تقبل ومنهم من يتوب ثم ينقض فيلج عليه إبليس بالمكائد لعلمه بضعف عزمه وبإسناد عن الحسن أنه قال إذا نظر إليك الشيطان ورآك على غير طاعة الله تعالى فنعاك وإذا رآك مداوما على طاعة الله ملك ورفضك وإذا رآك مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك.
فصل: ومن تلبيسه عليهم أن يكون لأحدهم نسب معروف فيغتر بنسبه فيقول أنا من اولاد أبو بكر وهذا يقول أنا من اولاد علي وهذا يقول أنا شريف من أولاد الحسن أو
(1/346)




الحسين أو يقول أنا قريب النسب من فلان العالم أو من فلان الزاهد وهؤلاء يبنون أمرهم على أمرين أحدهما أن يقولون من أحب إنسانا أحب أولاده وأهله والثاني أن هؤلاء لهم شفاعة وأحق من شفعوا فيه أهلهم وأولادهم وكلا الأمرين غلط أما المحبة فليس محبة الله عز وجل كمحبة الآدمين وإنما يحب من أطاعه فإن أهل الكتاب من أولاد يعقوب ولم ينتفعوا بآبائهم ولو كانت محبة الأب يسرى لسرى إلى البعض أيضا وأما الشفاعة فقد قال الله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} ولما أراد نوح حمل ابنه في السفينة قيل له إنه ليس من أهلك ولم يشفع إبراهيم في أبيه ولا نبينا في أمة وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة رضي الله عنها: "لا أغني عنك من الله شيئا" ومن ظن أنه ينجو بنجاة أبيه كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه.
فصل: ومن تلبيسه عليهم أن يعتمد أحدهم على خلة خير ولا يبالي بما فعل بعدها
فمنهم من يقول أنا من أهل السنة وأهل السنة على خير ثم لا يتحاشى عن المعاصي وكشف هذا التلبيس أن يقال له إن الاعتقاد فرض والكف عن المعاصي فرض آخر فلا يكفي أحدهما عن صاحبه وكذلك تقول الروافض نحن يدفع عنا موالاة أهل البيت وكذبوا فإنه إنما يدفع التقوى ومنهم من يقول أنا ألازم الجماعة وأفعل الخير وهذا يدفع عني وجوابه كجواب الأل.
فصل: ومن هذا الفن تلبيسه على العيارين في أخذ أموال الناس فانهم يسمون بالفتيان ويقولون الفتى لا يزني ولا يكذب ويحفظ الحرم ولا يهتك ستر امرأة ومع هذا لا يتحاشون من أخذ أموال الناس وينسون تقلى الأكباد على الأموال ويسمون طريقتهم الفتوة وربما حلف أحدهم بحق الفتوة فلم يأكل ولم يشرب ويجعلون إلباس السراويل للداخل في مذهبهم كإلباس الصوفية للمريد المرقعة وربما يسمع أحد هؤلاء عن أبنته أو أخته كلمة وزر لا تصح ولا بما كانت من محرض فقتلها ويدعون أن هذه فتوة وربما أفتخر أحدهم بالصبر على الضرب وباسناد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه كان يقول كنت كثيرا أسمع والدي أحمد بن حبنل يقول رحم الله أبا الهيثم فقلت من أبو الهيثم فقال أبو الهيثم الحداد لما مددت يدي إلى العقاب وأخرجت للسياط إذا أنا بانسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي تعرفني قلت لا قال أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار مكتوب في ديوان أمير المؤمنين إني ضربت ثمانية عشرة ألف سوط بالتفاريق وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا فأصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين قلت أبو الهيثم هذا يقال له خالد الحداد وكان يضرب المثل بصبره وقال له المتوكل ما بلغ من جلدك قال املأ لي جرابي عقارب ثم أدخل يدي فيه وأنه ليؤلمني ما يؤلمك وأجد لآخر سوط من الألم ما
(1/347)




اجد لأول سوط ولو وضعت في فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي ولكنني وطنت نفسي على الصبر فقال له الفتح ويحك مع هذا اللسان والعقل ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل فقال أحب الرياسة فقال المتوكل نحن خليديه وقال الفتح أنا خليدي وقال رجل لخالد يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب فقال بلى يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست لكم وقال داود بن علي لما قدم بخالد اشتهيت أن أراه فمضيت إليه فوجدته جالسا غير متمكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان كذا فقال لهم لا تتحدثون عن غيركم افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم غيركم.
قال المصنف رحمه الله: فانظروا الى الشيطان كيف يتلاعب بهؤلاء فيصبرون على شدة الألم ليحصل لهم الذكر ولو صبروا على يسير التقوى لحصل لهم الأجر والعجب أنهم يظنون لحالهم مرتبة وفضيلة مع ارتكاب العظائم.
فصل: ومن العوام من يعتمد على نافلة ويضيع فرائض مثل أن يحضر المسجد قبل الأذان ويتنفل فإذا صلى مأموما سابق الإمام ومنهم من لا يحضر في أوقات الفرائض ويزاحم ليلة الرغائب ومنهم من يتعبد ويبكي وهو مصر على الفواحش لا يتركها فإن قيل له قال سيئة وحسنة والله غفور رحيم وجمهورهم يتعبد برأيه فيفسد أكثر ما يصلح ورأيت رجلا منهم قد حفظ القرآن وتزهد ثم حب نفسه وهذا من أفحش الفواحش.
فصل: وقد لبس إبليس على خلق كثير من العوام يحضرون مجالس الذكر ويبكون ويكتفون بذلك ظنا منهم أن المقصود إنما هو العمل وإذا لم يعمل بما يسمع كان زيادة في الحجة عليه وأني لأعرف خلقا يحضرون المجلس منذ سنين ويبكون ويخشعون ولا يتغير أحدهم عما قد اعتاده من المعاملة في الربا والغش في البيع والجهل بأركان الصلاة والغيبة للمسلمين والعقوق للوالدين وهؤلاء قد لبس عليهم إبليس فأراهم أن حضور المجلس والبكاء يدفع عنه ما يلابس من الذنوب وأرى بعضهم أن مجالسة العلماء والصالحين يدفع عنكم وشغل آخرين بالتسويف بالتوبة فطال عليهم مطالهم وأقام قوما منهم للتفرج فيما يسمعونه وأهملوا العمل به.
فصل: وقد لبس إبليس على أصحاب الأمول من أربعة أوجه أحدها من جهة كسبها فلا يبالون كيف حصلت وقد فشا الربا في أكثر معاملاتهم وأنسوه حتى أن جمهور معاملاتهم
(1/348)




خارجة عن الإجماع وقد روى أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء من أين أخذ المال من حلال أو حرام" والثاني من جهة البخل بها فمنهم من لا يخرج الزكاة أصلا إنكالا على العفو ومنهم من يخرج بعضا ثم يغلبه البخل فينظر أن المخرج يدفع عنه ومنهم من يحتال لإسقاطها مثل أن يهب المال قبل الحول ثم يسترده ومنهم من يحتال بإعطاء الفقير ثوبا يقومه عليه بعشرة دنانير وهو يساوي دينارين ويظن ذلك الجهل أنه قد تخلص ومنهم من يخرج الردىء مكان الجيد ومنهم من يعطي الزكاة لمن يستخدمه طول السنة فهي على الحقيقة أجره ومنهم من يخرج الزكاة كما ينبغي فيقول له إبليس ما بقي عليك فيمنعه أن يتنفل بصدقة حبا للمال فيقوته أجر المتصدقين ويكون المال رزق غيره.
وبإسناد عن الضحاك عن ابن عباس قال أول ما ضرب الدرهم أخذه إبليس فقبله ووضعه على عينه وسرته وقال بك أطغى وبك اكفر رضيت من ابن آدم بحبه الدينار من ان يعبدني وعن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال إن الشيطان يرد الإنسان بكل ريدة فإذا أعياه اضطجع في ماله فيمنعه أن ينفق منه شيئا والثالث من حيث التكثير بالأموال فإن الغني يرى نفسه خيرا من الفقير وهذا جهل لأن الفضل بفضائل النفس اللازمة لها لا تجمع حجارة خارجة عنها كما قال الشاعر:
غنى النفس لمن يعقل ... خير من غنى المال
وفضل النفس في الأنفس ... وليس الفضل في الحال
والرابع في إنفاقها فمنهم من ينفقها على وجه التبذير والإسراف تارة في البنيان الزائد على مقدار الحاجة وتزويق الحيطان وزخرفة البيوت وعمل الصور وتارة في اللباس الخارج بصاحبه إلى الكبر والخيلاء وتارة في المطاعم الخارجة إلى السرف وهذه الأفعال لا يسلم صاحبها من فعل محرم أو مكروه وهو مسؤول عن جميع ذلك.
وباسناد عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أبن آدم لا تزول قدماك يوم القيامة بين يدي الله عز وجل حتى تسأل عن أربع عمرك فيما أفنيته وجسدك فيما أبليته ومالك من أين أكتسبته وأين أنفقته" ؟ ومنهم من ينفق في بناء المساجد والقناطر إلا أنه يقصد الرياء والسمعة وبقاء الذكر فيكتب اسمه على ما بنى ولو كان عمله لله عز وجل لأكتفى بعلمه سبحانه وتعالى ولو كلف أن يبني حائطا من غير أن يكتب اسمه عليه لم يفعل ومن هذا الجنس إخراجهم الشمع
(1/349)




في رمضان في الأنوار طلبا للسمعة ومساجدهم طوال السنة مظلمة لأن اخراجهم قليلا من دهن كل ليلة لا يؤثر في المدح ما يؤثر في إخراج شمعة في رمضان ولقد كان أغناء الفقراء بثمن الشمع أولى ولربما خرجت الأضواء الكثيرة السرف الممنوع منه غير ان الرياء يعمل عمله وقد كان احمد بن حنبل يخرج إلى المسجد وفي يده سراج فيضعه ويصلي ومنهم من إذا تصدق أعطى الفقير والناس يرونه فيجمع بين قصده مدحهم وبين إذلال الفقير وفيهم من يجعل منه الدنانير الخفاف فيكون في الدينار قيراطان ونحو ذلك وربما كانت رديئة فيتصدق بها بين الجمع مكشوفة ليقال قد أعطى فلان فلانا دينارا وبالعكس من هذا كان جماعة الصالحين المتقدمين يجعلون في القرطاس الصغير دينارا ثقيلا يزيد وزنه على دينار ونصف ويسلمونه إلى الفقير في سر فاذا رأى قرطاسا صغيرا ظنه قطعة فاذا لمسه وجد تدوير دينار ففرح فإذا فتحه ظنه قليل الوزن فاذا رآه ثقيلا ظنه يقارب الدينار فاذا وزنه فرآه زائدا على الدينار اشتد فرحة فالثواب يتضاعف للمعطى عند كل مرتبة ومنهم من يتصدق على الأجانب ويترك بر الأقارب وهم أولى وبإسناد عن سليمان بن عامر قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "الصدقة على المسلمين صدقة والصدقة على ذوي الرحم اثنتان صدقة وصلة" ومنهم من يعلم فضيلة التصدق على القرابة إلا أن يكون بينهما عداوة دنيوية فيمتنع من مواساته مع علمه بفقره ولو واساه كان له أجر الصدقة والقرابة ومجاهدة الهوى وقد روي عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" .
قال المصنف رحمه الله وإنما قبلت هذه الصدقة وفضلت لمخالفة الهوى فان من تصدق على ذي قرابة بحبه فقد اتفق على هواه ومنهم من يتصدق ويضيق على أهله في النفقة وقد روى عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدأ بمن تعول" وبإسناد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تصدقوا فقال رجل عندي دينار فقال تصدق به على نفسك قال عندي دينار آخر قال تصدق به على زوجتك قال عندي دينار أخر قال تصدق به على ولدك قال عندي دينار آخر قال تصدق به على خادمك قال عندي آخر قال أنت أبصر به" ومنهم من ينفق في الحج ويلبس عليه إبليس بأن الحج قربة وإنما مراده الرياء والفرجة ومدح الناس قال رجل لبشر الحافي اعددت ألفي درهم للحج فقال احججت قال نعم قال اقض دين مدين قال ما تميل نفسي إلا إلى الحج قال مرادك أن تركب وتجيء ويقال فلان حاجي ومنهم من يفق على الأوقات والرقص ويرمي الثياب على المغني ويلبس عليه إبليس
(1/350)




بأنك تجمع الفقراء وتطعمهم وقد بينا أن ذلك أن مما يوجب فساد القلوب ومنهم من إذا جهز أبنته صاغ لها دست الفضة ويرى الأمر في ذلك قربة وربما كانت له ختمة فتقدم مجامر الفضة ويحضر هناك قوم من العلماء فلا هو يستعظم ما فعل ولا هم ينكرون اتباعا للعادة ومنهم من يجوز في وصيته ويحرم الوارث ويرى أنه ماله يتصرف فيه كيف شاء وينسى أنه بالمرض قد تعلقت حقوق الوارثين به وبإسناد عن أبي امامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من خاف عند الوصية قذف في الوباء" والوباء واد في جهنم وعن الأعمش عن خيثمة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الشيطان يقول ما غلبني عليه ابن آدم فلن يغلبني على ثلاث آمره بأخذ المال من غير حقه وآمره بانفاقه في غير حقه ومنعه من حقه" .
فصل وقد لبس إبليس على الفقراء فمنهم من يظهر الفقر وهو غني فان أضاف الى هذا السؤال والأخذ من الناس فانما يستكثر من نار جهنم اخبرنا ابن الحصين بإسناده عن محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل منه أو ليستكثر" وإن لم يقبل هذا الرجل من الناس شيئا وكان مقصوده باظهار الفقر أن يقال رجل زاهد فقد رآى وإن كتم نعمة الله عنده ليظهر عليه الفقر لئلا ينفق ففي ضمن بخله الشكوى من الله.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلا بادى الهيئة فقال هل لك من مال قال نعم قال فلتر نعمة الله عليك وإن كان فقيرا محقا فالمحتسب له كتمان الفقر وإظهار التجمل فقد كان في السلف من يحمل مفتاحا يوهم أن له دارا ولا يبيت إلا في المساجد.
فصل ومن تلبيس إبليس على الفقراء أنه يرى نفسه خيرا من الغني إذ قد زهد فيما رغب ذلك الغني فيه وهذا غلط وان الخيرية ليست بالوجود والعدم وإنما هي بأمر وراء ذلك.
فصل: وقد لبس إبليس على جمهور العوام بالجريان مع العادات وذلك من أكثر أسباب هلاكهم فمن ذلك أنهم يقلدون الآباء والإسلام في اعتقادهم على ما نشئوا عليه من العادةفترى الرجل منهم يعيش خمسين سنة على ما كان عليه أبوه ولا ينظر أكان على صواب أم على خطأ ومن هذا تقليد اليهود والنصارى والجاهلية أسلافهم وكذلك المسلمون يجرون في صلاتهم وعباداتهم مع العادة فترى لرجل يعيش سنين يصلي على صورة ما رأى الناس يصلون ولعله لا يقيم الفاتحة ولا يدري ما الواجبات ولا يسهل عليه أن يعرف ذلك هوانا بالدين ولو أنه
(1/351)




أراد تجارة لسأل قبل سفره عما ينفق في ذلك البلد ثم ترى أحدهم يركع قبل الإمام ويسجد قبل الإمام ولا يعلم أنه إذا ركع قبله فقد خالفه في ركن فإذا رفع قبله فقد خالفه في ركنين فبطلت صلاته وقد رأيت جماعة يسلمون عند تسليم الإمام وقد بقي عليهم من التشهد الواجب شيء وذاك أمر لا يحمله الإمام فتكون صلاته باطلة وربما يترك أحدهم فريضة وزاد في نافلة وربما أهمل غسل بعض العضو كالعقب وربما كان في يده خاتم قد حصر الأصبع فلا يديره وقت الوضوء ولا يصل الماء إلى ما تحته فلا يصح وضوؤه وأما بيعهم وشراؤهم فأكثر عقودهم فاسدة ولا يتعرفون حكم الشرع فيها ولا يخف على أحدهم أن يقلد فقيها في رخصته استقلالا منهم للدخول تحت حكم الشريعة وقل أن يبيعوا شيئا إلا وفيه غش ويغطيه عيب والجلاء يغطي عيوب الذهب الردىء حتى أن المرأة تضع الغزل في الانداء وتنديه ليثقل وزنه.
ومن جريانهم مع العادة أن أحدهم يتوانى في صلاته المفروضة في رمضان ويفطر على الحرام ويغتاب الناس وربما لو ضرب بالخشب لم يفطر في العادة لأن في العادة استبشاع الفطر ومنهم من يدخل في الربا بالاستئجار فيقول معي عشرون دينارا لا أملك غيرها فان أنفقتها ذهبت وأنا أستأجر بها دارا وآكل أجرة الدار ظنا منه إن هذا الأمر قريب ومنهم من يرهن الدار على شيء ويؤدي ويقول هذا موضع ضرورة وربما كانت له دار أخرى وفي بيته آلات لو باعها لاستغنى عن الرهن والاستئجار ولكنه يخاف على جاهه أن يقال قد باع داره أو أنه يستعمل الخزف مكان الصفر ومما جروا فيه على العادات اعتمادهم على قول الكاهن والمنجم والعراف وقد شاع ذلك بين الناس واستمرت به عادات الأكابر فقل أن ترى أحدا منهم يسافر أو يفصل ثوبا أو يحتجم إلا سأل المنجم وعمل بقوله ولا تخلو دورهم من تقويم وكم من دار لهم ليس فيها مصحف وفي الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه سأل عن الكهان فقال: "ليسوا بشيء" فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فينقرها في أذن وليه نقر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة" .
وفي صحيح مسلم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" وروى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برىء مما أنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ومن جريانهم مع العادات كثرة الإيمان الحانثة التي أكثرها ظهاروهم لا يعلمون فأكثر قولهم في الإيمان حرام علي ان بعت ومن
(1/352)




عاداتهم لبس الحرير والتختم بالذهب وربما تورع أحدهم عن لبس الحرير ثم لبسه في وقت كالخطيب يوم الجمعة ومن عاداتهم إهمال إنكار المنكر حتى أن الرجل يرى أخاه أو قريبه يشرب الخمر ويلبس الحرير فلا ينكر عليه ولا يتغير بل يخالطه مخالطة حبيب ومن عاداتهم أن يبني الرجل على باب داره مصطبة يضيق بها طريق المارة وقد يجتمع على باب داره ماء مطر ويكثر فيجب عليه إزالته وقد أثم بكونه سببا لأذى المسلمين ومن عاداتهم دخول الحمام بلا مئزر وفيهم من إذا دخل بمئزر رمى به على فخذه فيرى جوانب اليتيه ويسلم نفسه إلى المدلك فيرى بعض عورته ويمسها بيده لأن العورة من السرة إلى الركبة ثم ينظر هؤلاء إلى عورات الناس ولا يكاد يغض ولا ينكر ومن عاداتهم ترك القيام بحق الزوجة وربما اضطروها إلى أن تسقط مهرها ويظن الزوج أنه قد تخلص بما قد اسقطته عنه وقد يميل الرجل إلى إحدى زوجتيه دون الأخرى فيجوز في القسم متهاونا بذلك ظنا أن الأمر فيه قريب فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "من كانت له امرأتان يميل إلى أحديهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر احدى شقيه ساقطا أو مائلا" ومن عاداتهم اثبات الفلس عند الحاكم ويعتقد الذي قد حكم له بالفلس أنه قد سقطت عنه بذلك الحقوق وقد يؤسر ولا يؤدي حقا ومنهم من لا يقوم من دكانه بحجة الفلس إلا وقد جمع مالا من أموال المعاملين فأضربه ينفقه في مدة استتاره وعنده أن الأمر في ذلك قريب ومما جروا فيه على العادات أن الرجل يستأجر ليعمل طول النهار فيضيع كثيرا من الزمان إما بالتثبط في العمل أو بالبطالة أو بإصلاح آلات العمل مثل أن يحد النجار الفأس والشقاق المنشار ومثل هذا خيانة إلا أن يكون ذلك يسيرا قد جرت العادة بمثله وقد يفوت أكثرهم الصلاة ويقول أنا في إجارة رجل ولا يدري أو أوقات الصلاة لا تدخل في عقد الإجارة وقلة نصحهم في أعمالهم كثيرة ومما جروا فيه على العادة دفن الميت في التابوت وهذا فعل مكروه وأما الكفن فلا يتباهى فيه بالمغالاة ينبغي أن يكون وسطا ويدفنون معه حملة من الثياب وهذا حرام لأنه إضاعة للمال ويقيمون النوح على الميت وفي صحيح مسلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" ومن عاداتهم اللطم وتمزيق الثياب وخصوصا النساء وفي الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعى بدعوى الجاهلية" وربما رأوا المصاب قد شق ثوبه فلم ينكروا عليه لا بل ربما أنكروا ترك شق الثوب وقالوا ما أثرت عنده المصيبة ومن عاداتهم يلبسون بعد الميت الدون من الثياب ويبقون على ذلك شهرا أو ستة وربما لم يناموا هذه المدة في سطح ومن
(1/353)




عاداتهم زيارة المقابر في ليلة النصف من شعبان وإيقاد الدار عندها وأخذ تراب القبر المعظم قال ابن عقيل لما التكاليف على الجهال والضغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم قال وهم كفار عندي بهذه الأوضاع مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليفها وخطاب الموتى بالألواح وكتب الرقاع فيها يا مولاي أفعل بي كذا وكذا وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال اليها وإلقاء الخرق على الشجر أقتداء بمن عبد اللات والعزى ولا تجد في هؤلاء من يحقق مسألة في زكاة فيسأل عن حكم يلزمه والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكهف ولم يتمسح بآجرة مسجد المأمونية يوم الأربعاء ولم يقل الحمالون على جنازته أبو بكر الصديق أو محمد وعلي ولم يكن معها نياحة ولم يعقد على أبيه أزجا بالجص والآجر ولم يشق ثوبه إلى ذيله ولم يرق ماء الورد على القبر ويدفن معه ثيابه.
فصل: تلبيس إبليس على النساء وأما تلبيس إبليس على النساء فكثير جدا وقد أفردت كتابا للنساء ذكرت فيه ما يتعلق بهن من جميع العبادات وغيرها وأنا أذكر ههنا كلمات من تلبيس إبليس عليهن فمن ذلك أن المرأة تطهر من الحيض بعد الزوال فتغتسل بعد العصر فتصلي العصر وحدها وقد وجبت عليها الظهر وهي لا تعلم وفيهن من يؤخر الغسل يومين وتحتج بغسل ثابها وفسلها ودخول الحمام وقد تؤخر غسل الجنابة في الليل إلى أن تطلع الشمس فإذا دخلت الحمام لم تتزر بمئزر وتقول ما دخل إلي إلا القيمة وربما قالت أنا وأختي وأمي وجاريتي وهن نساء مثلي فممن أستتر وهذا كله حرام فإن تخير الغسل بغير عذر لا يجوز ولا يحل للمرأة أن تنظر من المرأة ما بين سرتها وركبتها ولو كانت ابنتها وأمها إلا أن تكون البنت صغيرة فإذا بلغت سبع سنين استترت واستتر منها وقد تصلي المرأة قاعدة وهي تقدر على القيام فالصلاة حينئذ باطلة وقد تحتج بنجاسة في ثوبها من بول طفلها وهي تقدر على غسله ولو أرادت الخروج إلى الطريق لتهيأت واستعارت وإنما هان عندها أمر الصلاة وقد لا تعرف من واجبات الصلاة شيئا ولا تسأل وقد ينكشف من الحرة ما يبطل صلاتها وتستهين به وقد تستهين المرأة بإسقاط الحبل ولا تدري أنها إذا أسقطت ما قد نفخ فيه الروح فقد قتلت مسلما وقد تستهين بالكفارة الواجبة عليها عند ذلك الفعل فانه يجب عليها أن تتوب وتؤدي دينه إلى ورثته وهي غرة عبد أو أمة قيمتها نصف عشر دية أبيه أو عشر ديه الأم ولا ترث الأم من ذلك شيئا ثم تعتق رقبة فان لم تجد صامت شهرين متتابعين وقد تسيىء الزوجة عشرتها مع الزوج وربما كلمته بالمكروه وتقول هذا أبو أولادي وما بيننا هذا وتخرج بغير إذنه
(1/354)




وتقول ما خرجت في معصية ولا تعلم أن خروجها بغير إذنه معصية ثم نفس خروجها لا يؤمن منه فتنة وفيهن من تلازم القبور وتحد لا على الزوج وقد صح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله أن تحد على ميت إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" ومنهم من يدعوها زوجها إلى فراشه فتأبي وتظن هذا الخلاف ليس بمعصية وهي منهية عنه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فباتت وهو عليها ساخط لعنتها الملائكة حتى تصبح" أخرجاه في الصحيحين وقد تفرط المرأة في مال زوجها ولا يحل لها أن تخرج من بيته شيئا إلا أن يأذن لها أو تعلم رضاه وقد تعطي من ينجم لها بالحصى ويسحر ومن تعمل لها نخسة محبة وعقد لسان وكل هذا حرام وقد تستجير ثقب آذان الأطفال وهو حرا فان أفلحت وحضرت مجلس الواعظ فربما لبست خرقة من يد الشيخ الصوفي وتصافحه فصارت من بنات المنبر فخرجت إلى عجائب وينبغي أن تكف عنان العلم اقتصارا على هذه النبذة فأن هذا الأمر يطول ولو بسطنا لنبذ المذكورة في هذا الكتاب أو شيدنا ردنا على من رددنا عليه بالأحاديث والآثار لاجتمعت مجلدات وإنما ذكرنا اليسير ليدل على الكثير وقد اقتنعنا في ذكر فاحش القبيح من أفعال الغالطين بنفس حكايته دون تعاطي رده لأن الأمر فيه ظاهر والله يعصمنا من الزلل ويوفقنا لصالح القول والعمل بمنة وكرمه.
(1/355)




________________________________________________
تلبيس إبليس - الباب الثاني عشر- تلبيسه على العوام 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى