منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28260
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
فتح الجزيرة ... 1393418480781

فتح الجزيرة ... 140

فتح الجزيرة ... Empty فتح الجزيرة ...

الأحد 29 يناير 2012, 22:09
فتح الجزيرة





د. راغب السرجاني
مقدمة

يبدو أن الغنائم غيرت في طباع بعض المسلمين، فقد لاحظ سيدنا عمر بن الخطاب
تغيرًا في حال الرسل القادمين إليه من المدائن وبلاد الفرس بعد التقشف
الذي عهده عليهم، إلى أن أرسل إليه سيدنا حذيفة رسالة يقول له فيها: إن
المسلمين قد أترفت بطونهم، وخفت أعضادهم، وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا ترى.

فاتخذ
سيدنا عمر بن الخطاب قرارًا يأمر فيه سيدنا سعدًا بالتخلي عن المدائن
عاصمةً، وأمره بالبحث عن أرض أخرى صلبة ليست كأرض المدائن، وقال: إن العرب
لا يوافقهم إلا ما وافق إبِلَها.

وأمرهم
بالبحث عن أرض برية وبحرية (أي تكون على نهرٍ ويكون النهر غربها لكي لا
يفصلها عن المدينة)، ولا يفصل بينهم وبين سيدنا عمر جسر ولا بحر.

فبعث سيدنا سعد سيدنا حذيفة وسيدنا سلمان الفارسي
يرتادان للمسلمين منزلاً مناسبًا يصلح لإقامتهم، فمرَّا على أرض حصباء في
رملة حمراء، وكان العرب يطلقون على الأرض التي صفتها هكذا الكوفة.

وفي
أوائل العام السابع عشر الهجري بدأ المسلمون تأسيس المدينة الجديدة، فكان
أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللَّبِن
بإذن عمر، بشرط أن لا يُسرفوا ولا يجاوزوا الحد، وأن لا يزيد على ثلاث
حجرات، وألاّ يتطاولوا في البنيان، وأن يتذكروا الله تعالى، ويتذكروا الجنة
والنار. واتخذ المسلمون الكوفة عاصمة لهم، وتحركت القوات الإسلامية
الرئيسية من المدائن إلى الكوفة.

وأقام سيدنا سعد بن أبي وقاص اجتماعًا مع قواد الحاميات ليضع الأسس التي تقوم عليها المدينة الجديدة؛ فأتى سيدنا القعقاع بن عمرو
من حلوان إلى الكوفة وترك عليها سيدنا قباذ بن عبد الله الفارسي، وهو أول
فارسي يستخلفه سيدنا القعقاع على حامية حلوان، وأول من يُولَّى إمارة في
بلاد فارس.

واستخلف سيدنا
ضرار بن الخطاب على "ماسَبذان" رافع بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا
عبد الله بن المعتم على "الموصل" سيدنا مسلم بن عبد الله الفارسي، واستخلف
سيدنا عمر بن مالك على "قَرْقِيسياء" الفارسي عشنق بن عبد الله الفارسي.

أربع حاميات رئيسية عليها أربعة أمراء من الفرس، وفي ذلك بيان أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
واستقر الوضع في هذه المنطقة على هذا الحال.
فتح الجزيرة


في
هذا الوقت وعلى الجبهة الأخرى في بلاد الشام نجد بعض القوات الموجودة في
هذه المنطقة شمالي نفوذ المسلمين في منطقة تسمى منطقة الجزيرة (وهي محصورة
بين نهري دجلة والفرات في شمال العراق وجنوب تركيا وشرق سوريا)، وهذه
المنطقة بها كثير من العرب النصارى اتحدوا مع قيصر الروم في حربه مع القوات
الإسلامية في الشام. وكانت المعركة شديدة جدًّا حتى إن سيدنا أبا عبيدة بن
الجراح أرسل إلى سيدنا عمر بن الحطاب يطلب منه المدد، فأرسل سيدنا عمر بن
الخطاب رسالة إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص يأمره بإرسال جيش إلى سيدنا أبي
عبيدة بن الجراح في الشام، (وقبل ذلك بعام قد حدث عكس ذلك في موقعة
القادسية، فقد أتى
القعقاع بن عمرو التميمي
على رأس جيش كبير لنجدة المسلمين في فارس، وقد فتح الله على المسلمين في
ذلك الوقت فتحًا عظيمًا في فارس حتى تملكوا أرض فارس، وأصبحوا من القوة بأن
يمدوا الجيش الإسلامي الموجود في الشام).

ويبعث
سيدنا سعد بن أبي وقاص في اليوم نفسه الذي وصلت فيه الرسالة بجيش قوامه
أربعة آلاف فارس إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، وعلى رأس ذلك
الجيش سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي نجدةً لإخوانه، وقد صدق سيدنا أبو بكر
لما قال: لا يُهزَمُ جيشٌ فيه القعقاعُ. ويقول: لَصَوْتُ القعقاع في جيش
خيرٌ من ألف رجل.

ويخطط
سيدنا عمر لانتصار المسلمين في الشام، فيرسل إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص أن
يجهز جيوشًا لقتال عرب الجزيرة ليلهيهم عن نُصْرَة هرقل ملك الروم في حربه
مع المسلمين، ويحدد سيدنا عمر بن الخطاب قادة القوات الإسلامية الذاهبة إلى
حرب عرب الجزيرة من داخل الكوفة، ولما نفَّذ سيدنا سعد أمر أمير المؤمنين
وعرف عرب الجزيرة بذلك تركوا حربهم مع جيش هرقل؛ ليعودوا إلى بلادهم
ليحموها من هجوم المسلمين المرابطين في فارس، وبتخلي عرب الجزيرة عن هرقل
تضعف كفة الروم وينتصر سيدنا
أبو عبيدة بن الجراح
على الجيش الرومي بعد انسحاب قوات عرب الجزيرة مباشرة، وتم هذا الانتصار
قبل وصول سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي إلى الشام. لكن سيدنا عمر بن
الخطاب رضى الله عنه يرسل إلى أبي عبيدة رضى الله عنه بأن يشرك القعقاع وجيشه في الغنيمة؛ لأنه قادم للقتال مع الجيش الموجود في الشام.

وبعد
الانتصار الإسلامي الذي أتمه الله للمسلمين في الشام لم تتوقف القوات
الإسلامية القادمة من الكوفة إلى عرب الجزيرة لفتحها، بل إن سيدنا عمر بن
الخطاب رضى الله عنه أمر سيدنا
عياض بن غنم
أن يكون على رءوس الجيوش المتقدمة إلى عرب الجزيرة. وسيدنا عياض بن غنم من
أوائل من ذُكِرُوا في حرب فارس، فكان على رأس أحد الجيشين المتوجهين إلى
فتح فارس في عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين؛ فقد وجَّهَ سيدنا خالد بن الوليد لفتح فارس من ناحية الجنوب، ومن ناحية الشمال وجَّه سيدنا عياض بن غنم رضى الله عنه وهو من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
يتوجه
الجيش الكبير القادم من الكوفة وعلى رأسه سيدنا عياض بن غنم إلى منطقة
قَرْقِيسياء في شمال النفوذ الإسلامي، ويمتد النفوذ الإسلامي في ذلك الوقت
من قَرْقِيسياء إلى الموصل ونِينوَى فقط، فلم تكن المنطقة التي في الشمال
في صف المسلمين في هذه الفترة.

وما
إن وصل سيدنا عياض بن غنم إلى قَرْقِيسياء حتى بعث سيدنا سهيل بن عدي إلى
مدينة "الرقة" في سوريا، وسيدنا سهيل بن عدي من صحابة النبي صلى الله عليه
وسلم وهو من الخزرج من الأنصار، وله من الإخوة اثنان، وقد شاركا في حروب
فارس: أحدهما الحارث بن عدي وقد استشهد في معركة الجسر، والأخ الآخر سهل بن
عدي وهو من الصحابة، وسيأتي ذكره بعد قليل قي قيادة جيش آخر.

وفي
الوقت الذي يتوجه فيه سيدنا سهيل بن عدي لفتح الرقة يتوجه سيدنا عياض بن
غنم بقوته الأساسية إلى "حَرَّان" ليفتحها، وكانت من أشد المناطق حصانة في
منطقة الجزيرة.

ويتوجه جيش
من مدينة الكوفة رأسًا إلى مدينة "نَصِيبين"، وعلى رأس الجيش سيدنا عبد
الله بن عتبان من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن بمجرد وصوله إلى
الموصل يدخل تحت إمرة سيدنا عياض بن غنم أيضًا، وتتوجه الجيوش الثلاثة إلى
منطقة الجزيرة، فيتوجه سيدنا سهيل بن عدي بجيشه إلى الرقة ويحاصرها، ودام
هذا الحصار أيامًا، ثم ينزل أهل الرقة مباشرة على الجزية، ويقبل أهل الرقة
دفع الجزية مقابل أن يدافع عنهم المسلمون ويؤمِّنوهم على دمائهم، وسقطت
مدينة الرقة بسرعة.

وفي
الوقت نفسه توجه سيدنا عبد الله بن عتبان إلى نصيبين، وكانت من أجمل مدن
الجزيرة فهي وافرة الظلال والأشجار والمياه العذبة والأنهار، وكان بها
حامية قوية، وما إن علمت هذه الحامية بسقوط الرقة حتى استسلمت دون قتال،
وقبل أن يحاصرهم سيدنا عبد الله بن عتبان طلبوا منه أن يدفعوا الجزية.

وبعد
انتصار المسلمين في الرقة ونصيبين ودفع أهلها الجزية، توجه سيدنا عياض بن
غنم إلى حران بقواته الأساسية، وتتوجه قوات سيدنا سهيل بن عدي من الرقة،
وقوات سيدنا عبد الله بن عتبان من نصيبين مع سيدنا عياض بن غنم ليدخل حران
بقوة كبيرة، وتصل القوات الإسلامية بقيادة سيدنا عياض بن غنم إلى حران،
وتبدأ القوات الإسلامية في حصارها ويستمر الحصار شهرًا أو أكثر لتسقط بعد
ذلك مدينة حران بعد حصار طويل وبدون قتال، وتقبل حران بدفع الجزية أيضًا.

ثم
بعد ذلك توجهت القوات الإسلامية إلى مدينة "الرها" لفتحها، ومن الرها
توجهت قوات سيدنا عياض بن غنم إلى مدينة "سُمَيْساط" وتقع في تركيا الآن،
وبسقوط سُمَيْساط تسقط كل مدن الجزيرة وصارت تتبع المسلمين في هذه الفترة،
ورغم هذه الفتوحات لم يأمر سيدنا عمر بن الخطاب بالانسياح في بلاد فارس
فهذه الفتوحات في شمال الجزيرة، وقد منع سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه التوغل في شرق أرض فارس؛ لأنه يخشى على المسلمين الإكثار من الغنائم والأموال.

وكان
فتح الجزيرة من أسهل الفتوح في بلاد فارس، فقد سقطت الجزيرة بدون قتال
يُذكر، ويرجع ذلك إلى سقوط شرقي الجزيرة في أيدي المسلمين في حروبهم مع
فارس، وسقوط منطقة غرب الجزيرة في حروب المسلمين في الشام مع الجيش الرومي،
وأصبحت منطقة الجزيرة محصورة بين القوات الإسلامية الموجودة في فارس
والقوات الإسلامية الموجودة في الشام؛ مما كان له الأثر البين والواضح في
عزيمة أهل الجزيرة، الذين باتوا يرون أن لا قِبَلَ لأحد بحرب المسلمين،
فرضوا بدفع الجزية، كما علموا أيضًا بعهد المسلمين في الدفاع عنهم وتأمينهم
على دمائهم إذا دفعوا الجزية، وأن ما يأخذه المسلمون من جزية أقل مما كانت
تفرض عليهم من كسرى فارس.

طاعون عِمْوَاس:
استسلمت
الجزيرة للمسلمين بدون قتال يذكر، وقبل أهلها بدفع الجزية للمسلمين في
مقابل الدفاع عنهم، وتم ذلك السقوط في العام السابع عشر الهجري، وفي هذا
العام انتشر الطاعون والوباء بين المسلمين، والعرب تطلق كلمة الطاعون على
أي وباء أو مرض، وكان منبع الوباء في الشام في قرية تسمى "عِمْوَاس" وهلك
في هذا الطاعون الكثير من المسلمين، ومنهم سيدنا أبو عبيدة بن الجراح أمير
المسلمين في الشام t، كما مات سيدنا
معاذ بن جبل رضى الله عنه ،
ومات كثير من أبناء سيدنا خالد بن الوليد، وكثير من أشراف الصحابة والناس
حتى تخوفت قلوب المسلمين من طمع أعدائهم فيهم؛ من كثرة من مات من المسلمين
في العام السابع عشر من الهجرة من طاعون عِمْوَاس.
معركة طاوس


ولم يكد ينتهي المسلمون من طاعون عمواس حتى وافاهم أمر آخر؛ فإن العلاء بن الحضرمي رضى الله عنه -كما نعلم- كان قائد الجيش السابع من الجيوش التي وجهها سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه لقتال المرتدين وفتح البحرين، وقد قام بفتح البحرين وأصبح أميرًا لها من قِبَل سيدنا أبي يكر الصديق، ثم أقره سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه على عمله بعد خلافته رضى الله عنه .
وقد
كان لسيدنا العلاء بن الحضرمي نفسٌ توّاقة إلى الجهاد، ورأى سيدنا العلاء
بن الحضرمي ما حققه المسلمون من انتصارات كبيرة على أرض فارس، فأراد أن
يشارك في الجهاد ضد الدولة الفارسية كما يجاهد إخوانه، رغم القرار الذي
أصدره سيدنا عمر بن الخطاب بوقف التوغل في الأراضي الفارسية، فقرر اجتهادًا
منه رضى الله عنه إرسال
بعض الفرق للجهاد شرقي خليج فارس، عبر الخليج العربي (الفارسي في ذلك
الوقت)، في الوقت الذي كانت منطقة نفوذ المسلمين حتى رَامَهُرمُز، وهذه
المنطقة كلها تقع شمال هذه المنطقة تمامًا، وهذه المنطقة تسمى جنوب الأهواز
وبعيدة عن نفوذ المسلمين ولا تقع تحت إمرة الهرمزان، فهي بعيدة -إذن- عن
المسلمين، ولم يدخلها المسلمون من قبل، فأراد سيدنا العلاء أن يفتح هذه
المنطقة، فجهز جيشًا من البحرين، وقسم الجيش إلى ثلاث فرق رئيسية؛ على رأس
الفرقة الأولى سيدنا الجارود بن المُعَلَّى، وكان لسيدنا الجارود بن
المُعَلَّى الثواب الجزيل من الله عز وجل وذلك
لما ارتدت الجزيرة العربية كلها إلا قرية "جَوَاثا" قرية الجارود بن
المُعَلَّى؛ فقد قام فيهم خطيبًا ليثبتهم على الإسلام، وأعلن أنه على دين
الإسلام، وأنه سيقاتل كل من ارتدَّ عن دين الله عز وجل ، فثبت قومه على
الإسلام بعد مقالته، فكان الجارود بن المُعَلَّى على رأس فرقة من الجيش
الذي أرسله سيدنا العلاء بن الحضرمي إلى شرق فارس.

وعلى
رأس الفرقة الأخرى أحد القادة وهو سوار بن همام، والفرقة الثالثة على
رأسها خُلَيْد بن المنذر بن ساوي، والمنذر بن ساوي هو الذي أعطى العهد
للنبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وبإسلام البحرين كلها، وكان رجل حسن
السيرة وكان من الصالحين، وبموته ارتدت البحرين، فرضي الله عنه وأرضاه،
وخُلَيْد هذا ابنه.

فنزل
الجيش بفرقه الثلاثة في الجهة الشرقية من خليج فارس، وأمَّر على الفرق
الثلاثة خليد بن المنذر بن ساوي، ونزل الجيش في منطقة تسمى منطقة "طاوس".

وكان
سيدنا عمر بن الخطاب قد أصدر أمرًا بعدم غزو المسلمين للبحر إلا بعد إذنه؛
وبذلك يكون سيدنا العلاء بن الحضرمي قد خالف سيدنا عمر بن الخطاب في
أمرين، وهما: نهي سيدنا عمر بن الخطاب عن التوغل في بلاد فارس. والأمر
الثاني: مخالفة سيدنا عمر بن الخطاب في غزوه لبلاد فارس عبر البحر بالسفن
من البحرين إلى الشاطئ الشرقي من خليج فارس.

وعسكر
المسلمون في طاوس، وبمجرد نزولهم في طاوس يخرج لهم جيش فارس على رأسه قائد
من قواد الفرس يدعى "هربذ"، وتدور بين الجيوش الثلاثة وهربذ معركة شديدة
على المسلمين، ويفلح هربذ هذا في الالتفاف حول الجيش الإسلامي ويغرق السفن
في المياه، ولم يكن أمام المسلمين إلا القتال أمام الفرس، ولم يكن أمامهم
خط رجعة للبحرين، وكانت هذه المعركة شديدة على المسلمين وعلى الفرس، وأحدث
المسلمون خسائر فادحة في صفوف الفرس لكن على حساب شهداء كثير من المسلمين،
وكان ذلك تكرارًا لمشكلة الجسر بمعصية القائد المباشر للقائد الأعلى،
فتتكرر المشكلة للمرة الثانية، ويخسر المسلمون كثيرًا من الشهداء منهم
الجارود بن المُعَلَّى وسوار بن همام رضي الله عنهما، وهما من قادة الجيش،
ويبقى خليد بن المنذر بن ساوي على رأس الجيوش يحفزهم على القتال، ويذكرهم
أنه لم يبقَ أمامهم إلا قتال الفرس، وانتصر المسلمون على جيش الفرس
انتصارًا عظيمًا، لكن بعد انتصار الجيش على الفرس لم يجد المسلمون السفن
التي تحملهم إلى البحرين، ولم يجد أمامه إلا اللجوء إلى أرض البصرة ليستنجد
بجيش المسلمين الذي يعسكر في البصرة، وفي طريقه إلى البصرة يعترضه جيش آخر
من "إِصْطَخْر" على رأسه قائد يدعى "شَهْرَك"، ويحاصر الجيش الإسلامي في
مكان قريب من مدينة طاوس، في ذلك الوقت تصل الأنباء إلى سيدنا عمر بن
الخطاب رضى الله عنه في
المدينة أن العلاء أرسل جيشًا لحرب الفرس، وأن الجيش قد انتصر في المعركة
ودخل في معركة أخرى، وحُوصِرَ الجيش الإسلامي ولم يجد أمامه حلاًّ، وبمجرد
وصول هذا الخبر إليه يقرر عزل العلاء بن الحضرمي من الإمارة، وأرسله إلى
سيدنا سعد بن أبي وقاص تحت إمرته جنديًّا من جنوده في الكوفة، فكان هذا أول
عقاب عاقبه سيدنا عمر بن الخطاب له على معصيته الشديدة التي ألحقت الأذى
بالمسلمين في معركة طاوس، ثم أرسل رسالة إلى سيدنا
عتبة بن غزوان رضى الله عنه بأن
يُخرِج جيشًا كثيفًا من المسلمين لنجدة الجيش الإسلامي الموجود في هذه
المنطقة على خطورتها، فهي منطقة جبال والمسلمون لم يتعودوا على هذه الأرض،
وعلى إِثْرِ هذه الرسالة يجهز سيدنا عتبة بن غزوان في أقل من يومين جيشًا
تعداده اثنا عشر ألف مقاتل، ومع المسلمين في الجيش سيدنا عاصم بن عمرو
التميمي، وسيدنا حذيفة بن محصن قائد الجيش الثامن من جيوش الردة، وسيدنا
عرفجة بن هرثمة قائد الجيش التاسع من جيوش الردة، وكان على رأس الجيوش سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم
ويبدو أن سيدنا أبا سبرة من الكفاءات الحربية النادرة لدرجة أن يضع سيدنا
عتبة بن غزوان القادة العظام تحت إمرته، ويوافقه على ذلك عمر بن الخطاب في
المدينة.

فخرج الجيش وسار
بجوار شط العرب، ثم بجوار شاطئ خليج فارس على الجبال يُجَنِّبون الخيل
ويركبون البغال سِراعًا؛ لأن البغال الفارسية التي غنموها من فارس تستطيع
السير على الجبال بخلاف الخيول العربية، وفي ذلك مرونة شديدة للجيش
الإسلامي واستغلالاً للمواقف.

ويصل
الجيش الإسلامي إلى الجيش المحاصَر في منطقة فارس، ويدخل المسلمون مع جيش
"شهرك" في معركة شديدة، وكانت النتيجة أن انهزمت القوات الفارسية هزيمة
منكرة واجتاحهم المسلمون، واستطاع الجيش الإسلامي أن يفك الحصار عن الجيش
المحاصَر ورجع به إلى البصرة، فلم يكن مطلوبًا منهم فتح هذه البلاد.

وكانت عودة الجيش الإسلامي في أواخر ذي القعدة وبداية ذي الحجة، فاستأذن سيدنا عتبة بن غزوان t
من سيدنا عمر بن الخطاب في أواخر العام السابع عشر الهجري أن يذهب للحج
هذا العام، فوافق سيدنا عمر على طلبه؛ فيستخلف سيدنا عتبة على البصرة
المغيرة بن شعبة
وهو من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحارس الخاص لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وكان في الوفد الذي ذهب إلى يزدجرد (كانوا أربعة عشر
رجلاً، وكانوا يعدون الرجل في هذا الوفد بألف رجل)، وكان يتكلم الفارسية.

وبعد
انتهاء سيدنا عتبة بن غزوان من الحج يأمره سيدنا عمر بن الخطاب بالرجوع
إلى البصرة أميرًا كما كان؛ فيرفض سيدنا عتبة بن غزوان ويسأل سيدنا عمر بن
الخطاب أن يُقِيلَه فلم يفعل، فلما وجد سيدنا عمر بن الخطاب إصراره على رفض
الإمارة قال: "تُوَلُّوني فيها ثم تتركوني وحدي". وفي ذلك الوقت كان سيدنا
عمر يعرض الإمارة على أكثر من مسلم، وكلهم يرفضها على عكس أزمانٍ أخرى
يتقاتل الناس فيها عليها، ولما أصر سيدنا عتبة بن غزوان على رفضه أقسم عليه
سيدنا عمر ليرجعَنَّ إلى عمله.

وفي
الطريق إلى البصرة يدعو سيدنا عتبة بصوت يسمعه أصحابه ويقول: اللهم إن كان
لي عندك خيرٌ فخُذْني ولا تبلِّغْني البصرة. فاستجاب الله دعاءه، فيسقط من
فوق ناقته ويموت رضى الله عنه في طريقه إلى البصرة.

وبعد موت سيدنا عتبة بن غزوان رضى الله عنه يُقِرُّ سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه المغيرة بن شعبة على البصرة، ثم يستخلف بعده بقليل سيدنا أبا موسى الأشعري رضى الله عنه
وبتتبع
الأحداث في العام السابع الهجري نجد أن المنطقة التي أضيفت إلى نفوذ
المسلمين هي منطقة الجزيرة بالكامل، لكن نفوذ المسلمين في شرق فارس لم
يتغير عن العام السادس عشر الهجري، وبناءً على قرار سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه لم
يتوغل المسلمون في منطقة فارس، وحتى الجيش الذي خرج من البصرة لينقذ
المسلمين في موقعة طاوس رجع ولم يتوغل في الأراضي الفارسية، ولم يسيطر على
هذه المنطقة.
أحداث العام السابع عشر الهجري

نستطيع أن نوجز الأحداث الرئيسية في العام السابع عشر الهجري:
أولاً: تأسيس مدينة "الكوفة" التي أصبحت عاصمة المسلمين.
ثانيًا:
انتقال سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي من الساحة الفارسية إلى الشام لنجدة
الجيوش الإسلامية، وحتى بعد انتصار سيدنا أبي عبيدة بقي سيدنا القعقاع في
الشام.

ثالثًا: استطاع المسلمون فتح الجزيرة بسهولة كما ذكرنا.
رابعًا:
الطاعون الذي انتشر بين المسلمين واشتهر باسم طاعون "عِمْوَاس"، ومات فيه
كثير من المسلمين، منهم -كما ذكرنا- سيدنا أبو عبيدة بن الجراح وسيدنا معاذ
بن جبل.

خامسًا: من الأحداث المهمة في هذا العام موقعة "طاوس" التي استُشهِدَ فيها كثير من المسلمين، وتمَّ النصر للمسلمين في النهاية.
سادسًا:
مات سيدنا عتبة بن غزوان بعد قفوله من الحج إلى البصرة أميرًا، واستخلف
مكانه سيدنا عمر بن الخطاب المغيرة بن شعبة، ثم سيدنا أبا موسى الأشعري.

هذا موجز لأحداث العام السابع عشر من الهجرة.
لم
يكتفِ يزدجرد بوقف سيدنا عمر بن الخطاب للقتال والتوغل في الأراضي
الفارسية، فظل يحفز الجيوش الفارسية للإغارة على القوات الإسلامية المسيطرة
على هذه المنطقة؛ فيطلب من القواد الفارسيين الذين ما زالوا في أماكنهم
محاربة المسلمين، ومن ضمن رسائله أرسل رسالة إلى الهرمزان وكان قد عاهد
المسلمين للمرة الثالثة على دفع الجزية وعدم قتال المسلمين، وما إن وصلت
رسالة يزدجرد إلى الهرمزان حتى تذكر الأمجاد السابقة، وتذكر الملك
والانتصارات وجرت الخيانة في دمه كما عهده المسلمون؛ فثار على المسلمين
معلنًا نقض العهد مع المسلمين للمرة الرابعة، وما إن وصلت تلك الأنباء إلى
سيدنا عمر بن الخطاب وعلم بنقض الهرمزان للعهد، حتى استشاط غضبًا وقرر أن
يدكَّ قوات الهرمزان، فيرسل سيدنا عمر أكثر من رسالة، ويُدبِّر أكثر من أمر
لتدور معركة من أعنف المعارك الإسلامية مع الفرس.

________________________________________________
فتح الجزيرة ... 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى