منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
منتديات تعليمية
منتديات المعلم القدوة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
حمدي عبد الجليل
حمدي عبد الجليل
المشرف العام
المشرف العام
ذكر عدد المساهمات : 3476
نقاط : 28260
تاريخ التسجيل : 26/06/2011
الاحتساب على شاتم سيد البشرية 1393418480781

الاحتساب على شاتم سيد البشرية 140

الاحتساب على شاتم سيد البشرية Empty الاحتساب على شاتم سيد البشرية

الخميس 09 فبراير 2012, 20:41
الاحتساب على شاتم
سيد البشرية





إبراهيم السكران













بسم الله الرحمن الرحيم



-مدخل

الحمد وبعد،،
ليس حديثنا اليوم عن عالم أو داعية بُغي
عليه، ولا عن منكرات سلوكية، ولا عن قضايا
معيشية، لا، ليس ذلك كله، الواقعة اليوم
أكبر من ذلك، إنه (عِرض رسول الله صلى
الله عليه وسلم) فداه نفسي وأبي وأمي
وولدي صلى الله عليه وبارك وسلم سلاماً
كثيراً إلى يوم الدين.

إنه رسول الله الذي سأل عنه ملك النصارى
هرقل، ثم قال وهو في أبهة ملكه: (قد كنت
أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو
أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمتُ لقاءه،
ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه)[البخاري:7].

إنه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي
جعله الله منّة علينا، يمتن بها الله
سبحانه علينا، يتمدح ربنا سبحانه بأنه
أرسل لنا محمد بن عبد الله –صلى الله عليه
وسلم- حيث يقول الله:
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ
رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ)[آل
عمران:164].

بل إن الله في كتابه وصف الشمس بأنها سراج
كقوله (وَجَعَلَ الشَّمْسَ
سِرَاجًا)[نوح:16]، وفي القرآن نفسه وصف
الله محمداً –صلى الله عليه وسلم- بأنه
(سراج منير) لشروق شمس رسالته على البشرية
كما قال الله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا
إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا
مُنِيرًا)[الفرقان:61].
قال الإمام ابن رجب (سمى الله محمداً -
صلى الله عليه وسلم - سراجا منيرا؛ لأن
نوره للدنيا كنور الشمس وأتم وأعظم
وأنفع)[فتح الباري:4/340].

وميّزه الله سبحانه بالسيادة في الدنيا
والآخرة، وجعله (الأول) في مقامات كثيرة
بين الناس جميعاً، فهو (سيد ولد آدم يوم
القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول
شافع، وأول مشفع)[مسلم:2278].

وكل الرسالات والنبوات قبله كانت مبنية
على الخصوصية القومية، إلا رسول الله –صلى
الله عليه وسلم- شرّفه الله بعالمية
الرسالة للبشرية كلها (وكان النبي يبعث
إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس
عامة)[البخاري:335].

بل حتى لغته –صلى الله عليه وسلم- وطريقة
تركيبه للألفاظ والمعاني شرفه الله بأن
تفرد بأسلوب خاص، وهو أسلوب (جوامع الكلم)
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (بعثت
بجوامع الكلم)[البخاري:7013] وقال (فضلت
على الأنبياء بست: أعطيت جوامع
الكلم..)[مسلم:523].

بل إن الله جل وعلا اختار لنبيه أشرف
(مكان) وأشرف (زمان) وأشرف (نسب)، فجمع له
الشرف من أطرافه مكاناً وزماناً ونسباً.
فقال صلى الله عليه وسلم (بعثت من خير
قرون بني آدم، قرنا فقرنا)[البخاري:3557].
وقال (إن الله اصطفى كنانة من ولد
إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى
من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني
هاشم)[مسلم:2276].

بل إن النبي إذا استفتح باب الجنة يسأله
الملك الموكل بخزانة الجنة: من أنت؟ فإذا
أخبره النبي باسمه قال الملك (بِك أُمرت،
لا أفتح لأحد قبلك)[مسلم:197].

ولا يعرف رجل في البشرية كلها من أولهم
إلى آخرهم نقلت أخباره وسيره وأيامه حدثاً
حدثاً مثل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
حتى أنهم نقلوا الخوارق التي وقعت يوم
مولده، ومرضعاته، وحواضنه، وأول بعثته،
وأسمائه، وهجرته، وأولاده، وزوجاته،
وأعمامه وعماته، وسراريه ومواليه وخدمه
وكتّابه، ومؤذنيه، وأمرائه، وحرسه،
وشعرائه وحداته، وكتبه التي أرسلها إلى
الملوك، بل حتى من يضرب الأعناق بين يديه،
وطريقة عبادته في وضوئه وصلاته وصيامه
وحجه، ومعاملاته وقروضه ورهنه، وطعامه
ولباسه، وشمائله، بل حتى أسماء الدواب
التي ركبها، وغير ذلك كثير، وكل ذلك مكتوب
في السير والشمائل والمغازي ودلائل النبوة
(ومن هذه الكتب: زاد المعاد وهو أعذبها،
وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية وهو
أوعبها، والشفا للقاضي عياض، والعجالة
السنية للمناوي شرح ألفيه السيرة للعراقي
وهو أكثفها، وفصول مهمة في الجواب الصحيح
لابن تيمية، وغيرها).

وقد قال الإمام ابن تيمية (كان الذين رأوا
محمدا - صلى الله عليه وسلم - ونقلوا ما
عاينوه من معجزاته، وأفعاله، وشريعته، وما
سمعوه من القرآن، وحديثه؛ ألوفاً
مؤلفة)[الجواب الصحيح:3/21].

وأما معجزات النبي –صلى الله عليه وسلم-
وعجائب حياته فهي كثيرة جداً، وقد تنافس
أهل العلم في جمعها، فكان اللاحق منهم
يستقرئ أموراً ويضيفها على السابق، وهذا
شأن العلوم، وإن كان المستشرقون وشراحهم
العرب يجعلون هذه المزية إشكالاً، ومن ذلك
قول ابن تيمية رحمه الله:
(ومعجزاته تزيد على ألف معجزة، مثل انشقاق
القمر، والقرآن المعجز، وأخبار أهل الكتاب
قبله، وبشارة لأنبياء به، ومثل أخبار
الكهان والهواتف به، ومثل قصة الفيل التي
جعلها الله آية عام مولده، وما جرى عام
مولده من العجائب الدالة على نبوته، ومثل
امتلاء السماء ورميها بالشهب التي ترجم
بها الشياطين بخلاف ما كانت العادة عليه
قبل مبعثه وبعد مبعثه، ومثل إخباره
بالغيوب التي لا يعلمها أحد إلا بتعليم
الله عز وجل من غير أن يعلمه إياها بشر،
فأخبرهم بالماضي مثل قصة آدم ونوح
وإبراهيم وموسى والمسيح وهود وشعيب وصالح
وغيرهم، وبالمستقبلات، وكان قومه يعلمون
أنه لم يتعلم من أهل الكتاب، ولا غيرهم،
ولم يكن بمكة أحد من علماء أهل الكتاب ممن
يتعلم هو منه، بل ولا كان يجتمع بأحد منهم
يعرف اللسان العربي، ولا كان هو يحسن
لسانا غير العربي، ولا كان يكتب كتابا،
ولا يقرأ كتابا مكتوبا، ولا سافر قبل
نبوته إلا سفرتين: سفرة وهو صغير مع عمه
أبي طالب لم يفارقه، ولا اجتمع بأحد من
أهل الكتاب ولا غيرهم، وسفرة أخرى وهو
كبير مع ركب من قريش لم يفارقهم، ولا
اجتمع بأحد من أهل الكتاب، وأخبر من كان
معه بأخبار أهل الكتاب بنبوته مثل: إخبار
بحيرى الراهب بنبوته، وما ظهر منه مما
دلهم على نبوته، ولهذا تزوجت به خديجة قبل
نبوته لما أخبرت به من أحواله، مثل نبع
الماء من بين أصابعه غير مرة، ومثل تكثير
الطعام القليل حتى أكل منه الخلق العظيم،
وتكثير الماء القليل حتى شرب منه الخلق
الكثير، وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر،
ولكن المقصود هنا: التنبيه بأن محمدا صلى
الله عليه وسلم له معجزات كثيرة)[الجواب
الصحيح: 1/399].

وفضائله وشرفه وهيبته في النفوس لها مقامٌ
طويل، والحديث عنها واعتقادها وتحقق
النفوس بمعانيها من أرفع مقامات الإيمان،
فكلما تحقق القلب بتشريف وهيبة وحب رسول
الله –صلى الله عليه وسلم- كلما صعد في
مدارات الإيمان.

فهل هذا كل شيء؟ لا، ولكن ثمة أمر يصل
بالعجب إلى منتهاه، وهو كمال شفقة رسو
الله بنا، وشدة حب رسول الله لنا معشر
أمته، وحرصه علينا، وإلحاحه في سؤال الله
كل خير ومصلحة لأمته.

-حب النبي لنا معشر أمته:
أخذ النبي –صلى الله عليه وسلم- مرةً يقرأ
قول الله (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس)
وقول الله (إن تعذبهم فإنهم عبادك) فتذكر
أمته فرفع يديه كما في صحيح مسلم:
(فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي" ،
وبكى، فقال الله عز وجل: "يا جبريل اذهب
إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك"
فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله
فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
بما قال، وهو أعلم، فقال الله: "يا جبريل،
اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك،
ولا نسوءك" )[مسلم:202].

انظر إلى علم الله سبحانه بأن ما أهم
محمداً –صلى الله عليه وسلم- حتى بكى هو
شفقته وحبه الخير لنا معشر أمته، حتى أن
الله وعده –ووعده الحق- أن يرضيه في أمته،
نسأل الله من فضله.

والله سبحانه قد أعطى الأنبياء دعوات
يجيبها لهم، فكل نبي استعملها فاستجيب له،
إلا محمد –صلى الله عليه وسلم-، أتدري
ماذا فعل رسول الله بهذا الخصيصة في
الدعوة المجابة؟ ادخرها رسول الله –صلى
الله عليه وسلم- لنا نحن معشر أمته:
(لكل نبي دعوة، فأريد -إن شاء الله- أن
أختبي دعوتي، شفاعة لأمتي يوم
القيامة)[البخاري:6304].
وقال (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي
دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم
القيامة)[مسلم:199].

ولذلك إذا ضاق الناس بالمحشر يوم القيامة،
وفزعوا للأنبياء فاعتذروا، أتوا محمداً
صلى الله عليه وسلم، فانظر كيفية شفقة
النبي بأمته:
(فيأتون محمدا فيقولون: يا محمد أنت رسول
الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما
تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك
ألا ترى إلى ما نحن فيه، فأنطلق فآتي تحت
العرش، فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح
الله علي من محامده وحسن الثناء عليه
شيئا، لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا
محمد ارفع رأسك سل تعطه، واشفع تشفع فأرفع
رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب،
أمتي يا رب)[البخاري:4712].
فبالله عليك هل تعرف شفقة بالأمة أكثر من
هذه؟ الناس في المحشر، في أكثر اللحظات
ضنكاً، يفكرون في أنفسهم، والنبي يقول
(أمتي أمتي) إنه مهتم بأمرنا نحن معشر
أمته!

وكان النبي –بأبي هو وأمي صلى الله عليه
وسلم- يخبرنا ببعض أدعيته لنا معشر أمته،
ومن ذلك شفقته بنا من الكوارث الكبرى، كما
يقول صلى الله عليه وسلم:
(وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة
عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى
أنفسهم، فيستبيح بيضتهم)[مسلم:2889].

والناس يوم النحر يفكرون بأضحياتهم،
وأضاحي أقاربهم، وأما رسول الله –صلى الله
عليه وسلم- فإنه مهموم بشأن أمته (بسم
الله، والله أكبر، هذا عني، وعمن لم يضح
من أمتي)[ابوداود:2810].

وفي تشريعات كثيرة كان النبي –صلى الله
عليه وسلم- يبين أن المانع له منها هو خوف
المشقة على أمته، كقوله عن الجهاد (ولولا
أن أشق على أمتي ما قعدت خلف
سرية)[البخاري:36] وقوله عن تأخير وقت
العشاء (لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم أن
يصلوها هكذا)[البخاري:571] وقوله عن
السواك (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك مع كل صلاة)[البخاري:887]. وغيرها
من الأحاديث التي كان النبي يبين أن
الحامل له على ترك الأمر بها هو خوف
المشقة على الأمة.

ولما سئل ابن عباس عن سبب تخفيف النبي
–صلى الله عليه وسلم- جداً في علة الجمع
قال (أراد أن لا يحرج أمته)[مسلم:705].

ولما كثر الصحابة في صلاة التراويح تركها
النبي –صلى الله عليه وسلم- وقال لأصحابه
(إنه لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن
تفرض عليكم، فتعجزوا عنها)[924].

واستمر النبي –صلى الله عليه وسلم- يراجع
ربه لتخفيف الصلاة المفروضة علينا من
خمسمائة إلى خمس صلوات في الحديث المشهور
المعروف في قصة الإسراء والمعراج في
الصحاح.

وهذه الشواهد السابقة في كمال شفقة النبي
–صلى الله عليه وسلم- بنا معشر أمته؛ هي
التي عبر عنها القرآن (لَقَدْ جَاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ)[التوبة:128].

ولذلك كان أهل العلم يتنافسون في العبارات
الإيمانية التعظيمية لرسول الله حتى قال
الشافعي في رسالته المشهورة:

(فلم تُمسِ بنا نعمةٌ، ظهرت ولا بطنت،
نلنا بها حظا في دين ودنيا، أو دفع بها
عنا مكروه فيهما، وفي واحد منهما: إلا
ومحمد -صلى الله عليه وسلم-
سببها)[الرسالة:ص10].

وقال ابن تيمية (كل خير في الوجود، إما
عام وإما خاص؛ فمنشؤه من جهة الرسول..،
والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه
شمس الرسالة)[الفتاوى:19/93].

-الضيم والمعرة على رسول الله في جزيرة
الإسلام:

أرأيت هذا النبي الأعظم –فداه نفسي صلى
الله عليه وسلم- الذي شرفه الله بسيادة
البشرية، وجعله الله منّة علينا، وسماه
سراجاً منيرا، وأشرقت شمس رسالته على
الدنيا، وكان شفيقاً بنا يبكي ويدعوا الله
لنا ويختبئ دعوته لنا معشر أمته، ويدع
التشريعات خوفاً من المشقة علينا، وينهى
عن السؤال حتى لا يحرم علينا شيء لم يحرم
من قبل الخ؛ هذا النبي الأعظم يُتعرض له
اليوم بالانتقاص والسب، وأين؟ في الحجاز
الذي منها مبعث دعوته –بأبي هو وأمي صلى
الله عليه وسلم- حيث يقول الشانئ في صفحته
على شبكة التواصل بتويتر مخاطباً رسول
الله بالعبارات التالية:

(في يوم مولدك، أحببت فيك أشياء، وكرهت
فيك أشياء، ولن أصلي عليك، ولم أحب هالات
القداسة فيك، وسأصافحك مصافحة الند للند،
وأتحدث معك كصديق فحسب، النسق الذي حاربه
محمد تسلل لأتباعه)
ويقول عن القرآن (أن في القرآن مقاطع
ركيكة لغوياً).
ويقول عن الله جل جلاله: (كل الآلهة
العظيمة الني نعبدها ليست إلا من خلق
عقولنا).

ونحو هذه العبارات التي فيها سباب صريح
وتنقص واستهانة واستخفاف بمقام رسول الله
–صلى الله عليه وسلم- وسائر شرائع الإسلام
فضلا عن الله جل جلاله.

ثم انظر كيف اختار هذا الشانئ لرسول الله
–فداه أهلي صلى الله عليه وسلم- توقيتاً
لشتائمه في غاية الخبث، وهو يوم مولده،
ويوم مولده –صلى الله عليه وسلم- لا يختص
بعبادات شرعية، لكن له دلالته الرمزية بين
كثير من المسلمين، فيدخل في الوسم (الهاشتاق)
في شبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) المخصص
لمولده –صلى الله عليه وسلم- لينتقص منه
ويستهين به! فأي إمعان في انتقاص الرسول
أكثر من هذا؟!

ثم انظر كيف كان مكان هذا السب في الحجاز،
التي كان منها مبعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم!

ثم انظر كيف جعل هذا السب ليس في صالون
أدبي خاص مغلق، بل جعله منشوراً على الملأ
يناظر الناس عليه، وكلما ردوا عليه ازداد
إمعاناً في الانتقاص!

ولما انتفض المسلمون في جزيرة الإسلام،
واخضلت دموع الأشياخ في دروسهم، وهب
الشباب المسلم المبارك ذباً عن عرض رسول
الله، وغصت جهة البرقيات من رسائل الناس
المستنكرة الشاجبة، وبلغ الأمر ولي الأمر،
وتحرك عدد من الغيورين لدى المحاكم
الشرعية وجهات الاختصاص؛ لما وقع ذلك كله؛
أصدر الشانئ بياناً يظهر فيه التوبة
والاعتذار عما بدر منه، وأسأل الله أن
تكون توبته توبةً صادقة، وأن يتقبلها منه،
والله جل وعلا هو حسيبنا وحسيبه، وهو
سبحانه يعلم ما في نفوسنا ونفسه، وأمر هذه
التوبة لملك الملوك سبحانه يحكم فيها وهو
أعدل العادلين.

ثم إنه قبل ساعات أعلن بعض المواقع
الإلكترونية أن هناك أمراً ملكياً بإيقاف
الجاني السابّ لرسول الله، والتحقيق معه.
ثم بعدها بساعات أعلن ذات المواقع
الإلكترونية عن أنباء بهروب سابّ النبي
إلى دولة شرق آسيوية، عبر الأردن ثم
الإمارات.
فالله أعلم بحقائق الأمور.

فثارت هاهنا مسألة وهي هل تقبل توبة سابّ
النبي –صلى الله عليه وسلم- قضاءً أم
ديانةً؟ وهذا ما سنتعرض له في الفقرات
التالية.

-المسلم إذا سبّ النبي يقتل بإجماع
العلماء والمذاهب الأربعة:

لم يختلف المسلمون، لا في المذاهب الأربعة
ولا غيرها؛ أن "المسلم" إذا سبّ النبي
حدّه القتل، وقد نقل الإجماعات كثير من
أهل العلم، وقد نقل الإجماعات عدد من
علماء القرن الثالث والرابع ومن بعدهم.

فمن أهم المتقدمين الذين نقلوا الإجماع
الإمام محمد بن سحنون (ت256هـ) وقد نقلها
عنه ابن دحية في نهاية السول:
(قال إمام أهل أفريقية محمد بن سحنون:
أجمع العلماء على أن شاتم النبي –صلى الله
عليه وسلم- المنتقص له؛ كافر، وحكمه عند
الأئمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه
كفر)[نهاية السول في خصائص الرسول: ص261،
تحقيق الفادني].

وهذا النقل الذي نقله ابن دحية عن ابن
سحنون قد يكون من رسالة ابن سحنون التي
ذكرها أهل التراجم عنه، فقد قال ابن فرحون
عن مؤلفات ابن سحنون (ذكر تآليفه: ألف ابن
سحنون.. ورسالة فيمن سب النبي صلى الله
عليه وسلم)[الديباج المذهب:ص236]. والله
أعلم بحقيقة الحال.

وقال ابوبكر الفارسي من متقدمي الشافعية
(ت305هـ) في كتاب صنفه في مسائل "الإجماع"
(حد من يسب رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- القتل)[نهاية المطلب للجويني:18/46].
ونص ابو بكر الفارسي على أن هذه من مسائل
الإجماع.


ومنهم الإمام الجليل المعروف ابن المنذر
(ت319هـ)، وهو من أشهر من اعتنى بنقل فقه
طبقتي "الصحابة والتابعين" بشكل خاص، حيث
يقول ابن المنذر (ت319هـ) رحمه الله في
كتابه الذي صنفه في الإجماع:
(أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب
النبي -صلى الله عليه وسلم-
القتل)[الإجماع لابن المنذر:2/584، تحقيق
الجبرين].

وقال الخطابي (ت388هـ): (سابّ النبي -صلى
الله عليه وسلم- مقتول، ولا أعلم أحداً من
المسلمين اختلف في وجوب قتله)[معالم
السنن:3/296].

وقال عالم المغرب القاضي عياض اليحصبي
(ت544هـ) ما نصه: (أجمعت الأمة على قتل
متنقص النبي من المسلمين،
وسابّه)[الشفا:2/467].

وقال ابن تيمية (ت728هـ) (الساب إن كان
مسلما فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو
مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد تقدم ممن
حكى الإجماع على ذلك)[الصارم المسلول على
شاتم الرسول:ص4].

وقال السبكي (ت756هـ) (الفصل الأول: في
وجوب قتله، وهو مجمع عليه..، ومن استقرأ
سير الصحابة، تحقق إجماعهم على ذلك، فإنه
نقل عنهم في قضايا مختلفة منتشرة، يستفيض
مثلها، ولم ينكره أحد)[السيف المسلول على
من سب الرسول للسبكي: ص119-122، تحقيق
إياد الغوج].

وهذا الإجماع على (قتل المسلم الذي سبّ
النبي صلى الله عليه وسلم) مستقر في
المذاهب الأربعة لأهل السنة، وانظر على
سبيل المثال: المذهب الحنفي (مجمع
الأنهر:1/677) المذهب المالكي (البيان
والتحصيل:16/398) المذهب الشافعي (نهاية
المطلب:18/46) المذهب الحنبلي (شرح
المنتهى:3/394) وغيرها، وهذه مجرد نماذج

ولست بحاجة لنقل اقتباساتهم لأن المسألة
أصلاً محل إجماع، ولا مخالف في أصل
المسألة، لا من أهل العلم السابقين ولا
المعاصرين.

وبسبب ظهور هذه المسألة وشهرتها، أعني قتل
ساب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد بوّب
عليها أهل الحديث في مصنفاتهم في السنة
النبوية، ومن ذلك أن البخاري قال في صحيحه
(باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلى
الله عليه وسلم)[البخاري:6926]
وقال ابو داود في سننه (باب الحكم فيمن سب
النبي صلى الله عليه وسلم)[ابوداود:4361]

وقال النسائي في سننه (الحكم فيمن سب
النبي صلى الله عليه وسلم)[النسائي:4070]

وقبل هؤلاء قال عبد الرزاق (ت211هـ) في
مصنفه (باب من سب النبي -صلى الله عليه
وسلم- كيف يصنع به؟)[المصنف:5/307].
وقال ابن أبي شيبة (ت235هـ) في مصنفه (قتل
من يشتم الرسول صلى الله عليه
وسلم)[المصنف: 7/301].


وإفراد أهل الحديث، وأهل الفقه، لمسألة
(سب الرسول صلى الله عليه وسلم) من بين
مسائل الردة، وفي وقت مبكر، ونقلهم الآثار
الخاصة فيها؛ يدل على اختصاصها والتشديد
في شأنها، وأنها ليست داخلة في مفهوم
الردة بالعموم فقط، بل فيها أدلة خاصة
واعتبارات خاصة، فهي عقوبة مستقلة في
الفقه الإسلامي.

حسناً .. دعنا ننتقل الآن لحكم توبة سابّ
النبي صلى الله عليه وسلم.

-توبة سابّ النبي: هل تقبل قضاءً أم
ديانة؟


ما معنى التمييز بين القضاء والديانة؟
تفريق الفقهاء بين (القضاء والديانة) هو
أحد أهم أدوات الفقهاء العبقرية في توزيع
دلالات النصوص بشكل علمي، فالديانة: هي ما
بين العبد وربه مبنية على الأمور الباطنة
والظاهرة سوياً، والقضاء: هو ما يحكم به
بين العباد أنفسهم بحسب البينات الظاهرة
فقط.

فإذا تطابق الظاهر والباطن اجتمع حكم
الديانة والقضاء، وإذا افترق الظاهر
والباطن افترق حكم الديانة مع القضاء.

والأصل في التمييز بين الديانة والقضاء هو
قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما أنا
بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن
يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو
ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا
يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من
النار)[البخاري:6967].
فبين رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
انفكاك الجهة بين الديانة والقضاء، وأن
النبي نفسه قد يحكم (قضاءً) بأمر ما بناءً
على الظاهر، ومع ذلك لا يجوز للمحكوم له
أخذه (ديانةً) إذا كان ثمة أمور باطنه
تخالف هذا الظاهر، والباطن علمه إلى الله.

ففي مسألتنا: هل توبة سابّ النبي تقبل
قضاء وديانة؟ أم ديانة فقط؟


ذهب جماهير أهل العلم أن (سابّ النبي) لا
تقبل توبته قضاءً، وتقبل ديانةً بينه وبين
الله، لأن فيها حق للنبي صلى الله عليه
وسلم، وحق النبي لا يملك أحد من الناس
التنازل عنه، وسأنقل نماذج لنصوص الفقهاء
في المذاهب الأربعة على ذلك:
قال الحصكفي الحنفي (و الكافر بسب نبي من
الأنبياء فإنه يقتل حداً ولا تقبل توبته
مطلقا، ولو سب الله تعالى قبلت لأنه حق
الله تعالى، والأول حق عبد لا يزول
بالتوبة)[الدر المختار مع حاشيته:4/232].

وقال ابن الهمام الحنفي (كل من أبغض رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - بقلبه كان
مرتدا، فالسباب بطريق أولى، ثم يقتل حداً
عندنا، فلا تعمل توبته في إسقاط
القتل)[فتح القدير:6/98].

وقال ابن نجيم الحنفي (وقوله "لا يتعرض
له" إنما هو في مرتد تقبل توبته في
الدنيا، أما من لا تقبل توبته؛ فإنه يقتل،
كالردة بسب النبي صلى الله عليه
وسلم)[الأشباه والنظائر:ص159].


وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي (ومن
سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل
ولا تقبل توبته)[الرسالة مع حاشية
النفراوي:2/202].

وقال ابن رشد الجد المالكي (قال ابن
القاسم: ومن سب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أو شتمه أو أعابه أو نقصه، فإن كان
مسلما؛ قتل، ولم يستتب، وميراثه لجماعة
المسلمين)[البيان والتحصيل:16/413].

وقال خليل في مختصره المعتمد عند المالكية
(وإن سب نبياً.. أو عابه أو قذفه أو استخف
بحقه أو ألحق به نقصا أو غض من مرتبته:
قُتِل، ولم يستتب)[مختصر خليل:239]

وقال أبو بكر الفارسي من متقدمي الشافعية
في كتاب الإجماع: (لو تاب، لم يسقط القتل
عنه؛ فإن حد من يسب رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- القتل، فكما لا يسقط حد القذف
بالتوبة، فكذلك لا يسقط القتل الواجب بسب
النبي -صلى الله عليه وسلم-
بالتوبة)[نقلاً عن نهاية المطلب للجويني:18/46].

وقال البهوتي الحنبلي (أو سبّ رسولاً..،
فلا تقبل توبته)[شرح المنتهى:3/399].

ومما ينبغي التنبيه له: أن هذه المسألة
(عدم قبول توبة ساب النبي قضاءً) ليست من
مسائل الإجماع، فقد خالف فيها علماء أجلاء
من متأخري الشافعية خصوصاً، وبعض متأخري
الحنفية، وممن أشار لذلك المصنفون للرسائل
المفردة في مسألة سب النبي صلى الله عليه
وسلم، ومنهم: السبكي في رسالته (السيف
المسلول على من سب الرسول:ص161، تحقيق
إياد الغوج). ومنهم أيضاً: ابن عابدين في
رسالته (تنبيه الولاة والحكام على أحكام
شاتم خير الأنام:ص1/300) وهو مطبوع ضمن
مجموع رسائل ابن عابدين.

والحقيقة أن أجلّ من نُقِل عنه قبول توبة
ساب النبي قضاءً –بحسب ما أعلم- هو الإمام
ابو يوسف، حيث قال في كتابه المشهور
الخراج (وأيما رجل مسلم سب رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- أو كذبه أو عابه أو
تنقصه؛ فقد كفر بالله، وبانت منه زوجته؛
فإن تاب وإلا قُتِل)[الخراج، لأبي يوسف:
ص182، طبعة دار المعرفة].

فنص رحمه الله على الاستتابة لسابِّ النبي
-صلى الله عليه وسلم- وهذا النص لأبي يوسف
لم أكن اطلعت عليه وإنما نبهني عليه ابن
عابدين في رسالته المشار إليها قبل قليل
(تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير
الأنام)، ورجعت لكتاب أبي يوسف ووجدت النص
كما ذكر ابن عابدين، وقد تعجبت منه، لأنني
لم أجده مشهوراً معروفاً، بل لقد نُقِل عن
أبي يوسف قول آخر مخالف لهذا، وهو تمييزه
بين (الاستتابة) و (التوبة) فمنع
الاستتابة وقبل التوبة كمانع، والله أعلم
بحقيقة الحال.

والذي يظهر لي –والله أعلم بحقيقة الأمر-
أن قول أبي يوسف هذا مرجوح، وأن قول
جماهير أهل العلم في أن توبة ساب النبي
–صلى الله عليه وسلم- لا تقبل قضاءً هو
الراجح، لقوة أدلتهم، والتي سنشير لاحقاً
لبعضها، والعبرة في الخلافيات بالمرجحات
لا بالتخيير المحض.

والمراد أن هناك فرق بين مسألة (قتل
المسلم الذي سبّ النبي) وهي مسألة إجماعية،
وبين مسألة (عدم قبول توبة ساب النبي
قضاءً) وهي مسألة ليست إجماعية، وإنما هو
قول جماهير أهل العلم، فلا بد من معرفة
وزن المسائل حتى يعرف منزلة المخالف، فمن
خالف في قتل الساب فهو ضال، ومن خالف في
عدم قبول توبة النبي فقوله مرجوح مخالف
للأدلة وقول جماهير أهل العلم.


-هل هناك نظائر فقهية لعدم قبول توبة
الساب قضاءً؟:


البعض يقول أن القاعدة المعروفة في
الشريعة أن "التوبة تجب ما قبلها" فكيف لا
تقبل توبة الساب؟ والحقيقة أن هؤلاء الذين
يستغربون قول جماهير الفقهاء لم يتفطنوا
للتمييز الفقهي بين (القضاء والديانة)
وسأذكر هاهنا أمثلة:
-لو أن شخصاً قتل آخر، ثم قال للقاضي إنه
تائب ونادم، فهل تقبل توبته قضاءً؟
الجواب: لا بالطبع، فتوبته بينه وبين ربه،
ولكن القصاص واجب إلا إن عفا أولياء الدم،
لأن هذا حق آدميين.
-وهكذا: لو أن شخصاً سرق أموال المسلمين،
ثم قال للقاضي أنه تائب، فهل تقبل توبته
قضاءً؟ الجواب: لا، بل توبته بينه وبين
الله، ولكن الحد يمضي قضاءً، لأن هذا حق
آدميين.
-وهكذا: لو أن شخصاً قذف مسلماً، أو تلفظ
عليه، أو طعن فيه بما ليس فيه، فلما وصل
الأمر للقضاء قال: أنا تائب ونادم، وأعتذر
للمقذوف، فهل تقبل توبته قضاءً؟ الجواب:
لا، بل توبته بينه وبين الله، وحق الشخص
المقذوف أو المطعون فيه بما ليس فيه؛ لا
يسقط، بل يحد للقذف ويعزر للتلفظ،
باعتباره حق آدمي لم يعفُ.

وهكذا في نظائر جنائية كثيرة، تكون التوبة
مؤثرة ديانةً بين الجاني وربه، أما القضاء
فيجب أن يأخذ مجراه.


وقد أشار الفقهاء لذلك كثيراً، وسأعرض
عينة واحدة، فمن ذلك أن النفراوي لما تعرض
لعدم قبول توبة الساب قضاءً قال في تعليل
ذلك:
(ولا تقبل توبته –أي ساب النبي- سواء تاب
بعد الاطلاع عليه، أو جاء تائباً من قبل
نفسه قبل الاطلاع عليه؛ لأنه حدٌ وجب،
والحدود تجب إقامتها بعد ثبوت موجبها، ولو
تاب المستحق لها، كالزاني والشارب والقاتل
والسارق)[الفواكه الدواني:2/202].

-تعليل عدم قبول توبة السابّ قضاءً:

ثمة تعليلات كثيرة لعدم قبول توبة السابّ،
لكن جوهرها يدور حول أن (حق النبي) الذي
لا يجوز لأحد أن يعفو عنه، ومنها: أن السب
فساد في الأرض، وأن السب متعلق بحق
المسلمين –أيضاً- فإنه نبيهم وحقهم أن لا
يتعرض له، ولا يحق لأحدٍ أن يعفو نيابةً
عن رسول الله، ولا أن يعفو نيابة عن
المسلمين.

قال القاضي عياض في تعليل عدم قبول توبة
الساب قضاءً (لأنه حق متعلق للنبي -صلى
الله عليه وسلم- ولأمته بسببه، لا تسقطه
التوبة كسائر حقوق
الآدميين)[الشفا:2/550].

وقريب منه قول القاضي من الحنابلة (حق
النبي صلى الله عليه وسلم يتعلق به حقان:
حق لله وحق للآدمي، والعقوبة إذا تعلق بها
حق لله وحق لآدمي لم تسقط بالتوبة، كالحد
في المحاربة، فإنه لو تاب قبل القدرة لم
يسقط حق الآدمي من القصاص، ويسقط حق
الله)[الصارم:302].

وقال ابن القيم (الحق للنبي، فله أن
يستوفيه، وله أن يتركه، وليس لأمته ترك
استيفاء حقه صلى الله عليه وسلم)[زاد
المعاد:5/56].

ولذلك ترى أنه شخصاً سب ميتاً من آحاد
أموات المسلمين لشرع تعزيره، حتى لو تاب
الساب، فكذلك حق رسول الله أعظم، كما يقول
ابن تيمية:

(بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-
يتعين القتل، لأن المستحق لا يمكن منه
المطالبة والعفو، كما أن من سب أو شتم
أحدا من أموات المسلمين عزر على ذلك
الفعل، لكونه معصية لله، وإن كان في حياته
لا يؤدى حتى يطلب إذا علم)[الصارم
المسلول:ص297].


فـالمراد أن (سب النبي) عنصر إضافي في
الجريمة متعلق بحقوق الآدميين، وليس
بالعقيدة فقط، ولذلك فإنه يستوفى حتى مع
التوبة، وقد شرح هذا المفهوم الفقهي ابن
تيمية فقال:
(ذكرنا أن السنة تدل على أن السب ذنب
مقتطع عن عموم الكفر، وهو من جنس
المحاربة، والتوبة التي تحقن الدم دم
المرتد؛ إنما هي التوبة عن الكفر، فأما إن
ارتد بمحاربة مثل سفك الدم وأخذ المال،
كما فعل العرنيون، وكما فعل مقيس بن
صبابة؛ فهذا يتعين قتله، كما قتل رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- مقيس بن صبابة،
وكما قيل له في مثل العرنيين "إنما جزاؤهم
أن يقتلوا"، وأيضا ما اعتمده الإمام أحمد
من أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- فرقوا بين الساب وبين المرتد
المجرد، فقتلوا الأول من غير استتابة،
واستتابوا الثاني وأمروا
باستتابته)[الصارم المسلول:3/644، تحقيق
الحلواني وزميله].

-نصوص قتل الساب دون استتابة:

النصوص التي استنبط منها أهل العلم قتل
الساب دون استتابة كثيرة، وسألخص بعضها:
منها: المرأة اليهودية التي تسب النبي
فقتلها أحد الصحابة فسأل النبي فأخبر
بسبها إياه (فأبطل رسول الله دمها) وبه
احتج الإمام أحمد، وأُخبِر النبي أن رجلاً
يشتمه فقال (من يكفيني عدوي)، ومنه قول
أبي بكر رداً على من أراد قتل من سبه (ما
كانت لبشرٍ بعد محمد) فبين ابو بكر أن قتل
الساب خصيصة لمن سب النبي، وقتل خالد بن
الوليد لمالك بن نويرة لما قال عن النبي
متنقصاً (صاحبكم)، وأمر النبي بقتل: ابن
خطل، وابن أبي السرح، ومقيس بن صبابة،
والمرأتين اللتين كانتا تغنيان بسب رسول
الله (برغم كونه ينهى عن قتل النساء لأنهن
لسن محاربات، ولكن أهدر دمهن لسب النبي)،
ولما كان كعب بن الأشرف ينتج اشعاراً في
هجاء النبي قال النبي (من لكعب بن الأشرف
فإنه قد آذى الله ورسوله)، فقتله محمد بن
مسلمة وصحبه وجاؤوا برأسه فرموه بين يدي
رسول الله، وكان النبي لما سمع تكبيرهم
قال "أفلحت الوجوه"، وقول النبي "فإنه قد
آذى الله ورسوله" صريح في تعليل القتل وهو
أذى الرسول، منها: قتل أبي رافع بن أبي
الحقيق لسبه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وغيرها وإنما أردت التمثيل.

ومن أراد تخريج الأحاديث السابقة، وعزوها،
والتوسع في شرح وجه الدلالة منها، فليرجع
للكتب المتخصصة، مثل الشفا للقاضي عياض،
والصارم المسلول لابن تيمية، والسيف
المسلول للسبكي، وغيرها فهي مبسوطة فيه
بتوسع.

ومن تأمل الأخبار التي ساقها أهل العلم في
قتل النبي –صلى الله عليه وسلم- من سبّه،
وقتل الصحابة لمن سبّ النبي صلى الله عليه
وسلم؛ لاحظ فيها جميعها -بلا استثناء- أن
النبي والصحابة لم يستتيبوا الساب بتاتاً،
بل قتلوه فوراً، بخلاف غيره من المرتدين
الذي كانوا يستتيبونهم.

وقد يسأل بعض القراء: هل هناك وقائع
تاريخية حصل فيها (قتل السابّ) والجواب:
نعم، وقد جمعت نماذج منها في مقالة منشورة
بعنوان (من أخبار المتعرضين للجناب
المحمدي) وهي منشورة على الشبكة يمكن
للقارئ أن يجدها عبر محركات البحث.

-التمييز بين (توبة الاختيار) و (توبة
الاضطرار) :

من التمييزات المهمة في الشريعة والتي
يراعيها القضاء الشرعي هو التمييز بين
(توبة الاختيار) و (توبة الاضطرار)، فتوبة
الاختيار هي التي تكون قبل أن ترفع
الجناية إلى ولي الأمر أو القضاء الشرعي،
وتوبة الاضطرار هي التي تكون بعد رفع
الجناية إلى ولي الأمر أو القضاء الشرعي،
والأصل في هذا التمييز قول الله تعالى
(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ)[المائدة:34].
ففرق الله سبحانه بين التوبة قبل القدرة،
والتوبة بعد القدرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في توضيح هذا
الأصل الشرعي وطريقة تأثيره في الأحكام
القضائية الجنائية :
(الله سبحانه فرق بين التوبة قبل القدرة
وبعدها لأن الحدود إذا رفعت إلى السلطان
وجبت ولم يمكن العفو عنها ولا الشفاعة
فيها بخلاف ما قبل الرفع ولأن التوبة قبل
القدرة عليه توبة اختيار والتوبة بعد
القدرة توبة إكراه واضطرار بمنزلة توبة
فرعون حين أدركه الغرق وتوبة الأمم
المكذبة لما جاءها البأس وتوبة من حضره
الموت فقال: إني تبت الآن فلم يعلم صحتها
حتى يسقط الحد الواجب ولأن قبول التوبة
بعد القدرة لو أسقطت الحد لتعطلت الحدود
وانبثق سد الفساد فإن كل مفسد يتمكن إذا
أخذ أن يتوب بخلاف التوبة قبل القدرة
فإنها تقطع دابر الشر من غير فساد فهذه
معان مناسبة قد شهد لها الشارع بالاعتبار
في غير هذا الأصل فتكون أوصافا مؤثرة أو
ملائمة فيعلل الحكم بها وهي بعينها موجودة
في الساب فيجب أن لا يسقط القتل عنه
بالتوبة بعد الأخذ)[الصارم المسلول:ص389].
وتلاحظ في الحادثة التي نحن بصددها أن
السابّ بقي يجادل ويناظر ويعاند، فلما
انهالت البرقيات على المسؤولين، وأخبر بعض
الشباب أنهم رفعوا الدعاوى لدى القضاء،
بادر الساب فأصدر بياناً يعلن فيه توبته،
فهي توبة بعد رفع الجناية لولي الأمر، فهي
داخلة في توبة الاضطرار، لا توبة
الاختيار، فهي من حيث القضاء ضعيفة
التأثير، ومن حيث الديانة الأمر بينه وبين
الله، والله كريم سبحانه إن صدقنا وصدق.

-التعويم اللغوي لمفهوم السب:


في هذه الحادثة البشعة حاول بعض أصدقاء
شاتم الرسول أن يفزعوا لصديقهم لتخذيل
المنتصرين لرسول الله –صلى الله عليه
وسلم- فذكر بعضهم أن ما قام به ساب الرسول
هو (إساءة تعبير) وليس (سب) وهذا التلاعب
اللغوي بالمصطلح مناورة مكشوفة وغير
مثمرة، لأن الفقهاء لم يكونوا يحصرون
الأمر في السب أصلاً، بل كل عبارة فيها
انتقاص أو استخفاف أو غض من منزلته، الخ
فإنه داخل في الحكم، ومن ذلك قول القاضي
عياض رحمه الله:
(اعلم وفقنا الله وإياك أن: جميع من سب
النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عابه، أو
ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه،
أو خصلة من خصاله، أو عرّض به، أو شبهه
بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه،
أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب
له؛ فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب
يقتل)[الشفا:2/473].


وقد أكد هذه الأمثلة الفقهاء في كتبهم إذا
تعرضوا لموضوع سب النبي صلى الله عليه
وسلم، ويكفي الشاهد السابق إن شاء الله.


وأنت إذا تأملت الكلمات التي فاه بها سابّ
الرسول وجدتها أعظم مما ذكر الفقهاء من
الأمثلة والوقائع، فقد خاطب السابّ رسول
الله بقوله: "كرهت فيك أشياء"، وقال: "لن
أصلي عليك"، واعتبر نفسه نداً لرسول الله،
وأنه سيتحدث مع النبي كصديق فقط! واعتبر
أن في بعض مقاطع القرآن "ركاكة لغوية" !
فإذا لم يكن هذا سباً واستخفافاً
وانتقاصاً وإزراءً لرسول الله، وغضاً من
مقام النبوة، وتصغيراً لشأن رسول الله،
فما هو السب إذن؟!


بل لو تأمل الباحث الموضوعي الألفاظ التي
نقلها الفقهاء، ووقع فيها أحكام قضائية
بأنها سب لرسول الله، لرأى أنها أقل من
هذا بكثير، مثل من قال للنبي أنه "يتيم"
على سبيل الإزراء، ومن قال للنبي أنه كان
"يرعى الغنم" على سبيل التنقص، ومن قال
"تكذب ولو كنت رسول الله"، ورجل يجبي
الضرائب قال لأحدهم "أدّ واشكِ إلى النبي"
فأفتوا بقتله، فقتلوا جميعاً الخ وقد نقل
هذه الوقائع وغيرها القاضي عياض في الشفا
(2/479).

وخصوصاً أنه قد انضاف إلى الأمر قرائن
أخرى وهي "تكرر" استهانة هذا الرجل بشرائع
الإسلام، وإمعانه في ذلك فترة طويلة،
فحسابه الشخصي ومقالاته ومدونته مليئة
بالاستهتار بالله وكتابه ورسوله وشرائع
الإسلام، فهذه قرينة معتبرة شرعاً في
تغليظ جنايته، قال الإمام ابن تيمية:
(فإذا كان السابُّ قد تكرر منه السب،
ونحوه مما يدل على الكفر؛ اعتضد السب
بدلالات أخر، من الاستخفاف بحرمات الله،
والاستهانة بفرائض الله، ونحو ذلك من
دلالات النفاق والزندقة؛ كان ذلك أبلغ في
ثبوت زندقته وكفره، وفي أن لا يقبل منه
مجرد ما يظهر من الإسلام، مع ثبوت هذه
الأمور، وما ينبغي أن يتوقف في قتل مثل
هذا)[الصارم المسلول:3/651، ت الحلواني].

ومن يدافع عن سابّ الرسول –صلى الله عليه
وسلم- باللجوء لتمييع مفردة "السب" فيُخشى
عليه أن تكون حميته لصديقه وخليله أعظم من
حميته لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإذا بلغ المرء هذا المبلغ، فليضع رسول
الله وخليله السابّ أمام عينيه، ثم ليقرأ
قول الله:
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى
يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا *
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ
فُلَانًا خَلِيلًا)[الفرقان:28].

ولو سلمنا جدلاً أن ثمة خطأ في أحد
الجهتين، فالخطأ على صديق مستهتر أهون من
الخطأ في تهوين مقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم، والمجادلة لجعل ما هو سب
واستخفاف ليس سباً ولااستخفافاً لرسول
الله!

وما أجمل عبارة السيوطي في هذا المقام،
حين حاول بعض الناس أن يدافعوا عن رجل قال
بعض العبارات التي فيها غض من مقام
الأنبياء ولا تليق بهم، فرد عليهم في
رسالة خاصة اسمها (تنزيه الأنبياء عن
تسفيه الأغبياء)، وبين أن هذه العبارات
فيها انتقاص من مقام النبوة، ثم قال في
خاتمتها:
(المدلس في هذه المسألة يخاصمه كل
الأنبياء يوم القيامة وعدتهم مائة ألف
وأربعة وعشرون ألف..، وكذلك أقول لأن يكون
كل أهل العصر في هذه المسألة خصمائي أحب
إلى من أن يخاصمني نبي واحد، فضلا عن جميع
الأنبياء)[تنزيه الأنبياء: 1/242، مطبوعة
ضمن فتاوى السيوطي].

وهذه هي الحسابات العقلانية الصحيحة، فأن
أخطئ على صديق مستهتر أحب إلي من أخطئ في
تهوين مقام رسول الله، وجعل سب رسول الله
–صلى الله عليه وسلم- مجرد غلط تعبيري!

-درء القتل لا يستلزم درء التعزير بما
دونه:


بعض الناس يظن أن الفقهاء إذا درؤوا عن
السابّ القتل لمانع راجح؛ فإن هذا يعني
أنه لا يوجد عقوبة أخرى! وهذا خطأ، فالقتل
إذا درئ قد تقوم هناك عقوبات تعزيرية
أخرى، كما قال القرطبي في مسألة اللفظ
المحتمل لسب رسول الله:
(وإذا قلنا لا يقتل، فلا بد من تنكيل ذلك
القائل وعقوبته: بالسجن، والضرب الشديد،
والإهانة العظيمة)[تفسير القرطبي:8/82].
وهذا مثل اللفظ المحتمل للقذف وغيره، إذا
درئ الحد فقد يقوم مقامه التعزير باعتباره
تلفظ.

ولهذا شواهد فقهية أخرى نستغني بهذا
المثال عنها.

بمعنى أن (سابّ النبي) تاب أو لم يتب؛ يجب
أن يحال للقضاء الشرعي، فإما أن يحكم
بموجب قول جماهير الفقهاء بالقتل وعدم
اعتبار توبته قضاءً، أو يحكم بالقول
المرجوح وهو قبول توبته مع تعزيره بما هو
دون القتل، ولا يذهب عرض رسول الله

________________________________________________
الاحتساب على شاتم سيد البشرية 12107010_906912522734669_1561722651500059538_n
سوما مودا
سوما مودا
عضو فعال
عضو فعال
انثى عدد المساهمات : 67
نقاط : 4665
تاريخ التسجيل : 16/02/2012
العمر : 28

الاحتساب على شاتم سيد البشرية Empty رد: الاحتساب على شاتم سيد البشرية

الأحد 19 فبراير 2012, 17:25
الاحتساب على شاتم سيد البشرية 15542_11310708511

________________________________________________
الاحتساب على شاتم سيد البشرية 11259083938
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى